الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
أَيْ مَا يَشْتَرِطُهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا لَهُ فِيهِ غَرَضٌ (وَمَحَلُّ الْمُعْتَبَرِ مِنْهَا) أَيْ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ (صُلْبُ الْعَقْدِ) أَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ (وَكَذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْعَقْدِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ عَلَى هَذَا جَوَابُ أَحْمَدَ فِي مَسَائِلِ الْحِيَلِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْوَفَاءِ بِالشُّرُوطِ وَالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ تَنَاوُلًا وَاحِدًا قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ الشَّرْطُ إلَّا بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ لَمْ يَلْزَمْ نَصًّا. (وَهِيَ) أَيْ الشُّرُوطُ فِي النِّكَاحِ (قِسْمَانِ) أَحَدُهُمَا (صَحِيحٌ لَازِمٌ لِلزَّوْجِ فَلَيْسَ لَهُ فَكُّهُ) وَهُوَ مَا لَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ (بِدُونِ إبَانَتِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ فَإِنْ بَانَتْ مِنْهُ انْفَكَّتْ الشُّرُوطُ؛ لِأَنَّهُ بِزَوَالِ الْعَقْدِ يَزُولُ مَا هُوَ مُرْتَبِطٌ بِهِ. (وَيُسَنُّ وَفَاءَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (بِهِ) أَيْ الشَّرْطِ، وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ (كَ) اشْتِرَاطِ الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيِّهَا عَلَى زَوْجِهَا (زِيَادَةِ مَهْرٍ) قَدْرًا مُعَيَّنًا وَكَذَا لَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةَ وَلَدِهَا وَكِسْوَتَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَتَكُونُ مِنْ الْمَهْرِ (أَوْ) اشْتِرَاطِ كَوْنِ مَهْرِهَا مِنْ (نَقْدٍ مُعَيَّنٍ) فَيَتَعَيَّنُ كَثَمَنِ مَبِيعٍ (أَوْ) اشْتِرَاطِهَا أَنْ (لَا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا أَوْ بَلَدِهَا أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ) عَلَيْهَا (أَوْ) لَا (يَتَسَرَّى عَلَيْهَا أَوْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَبَوَيْهَا أَوْ) لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ (أَوْلَادِهَا أَوْ أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا الصَّغِيرَ أَوْ) أَنْ (يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا أَوْ) أَنْ (يَبِيعَ أَمَتَهُ) لِأَنَّ لَهَا فِيهِ قَصْدًا صَحِيحًا. وَيُرْوَى صِحَّةُ الشَّرْطِ فِي النِّكَاحِ وَكَوْنُ الزَّوْجِ لَا يَمْلِكُ فَكَّهُ عَنْ عُمَرَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ {إنَّ أَحَقَّ مَا أَوْفَيْتُمْ بِهِ مِنْ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَحَدِيثُ {الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ} وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ " أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَشَرَطَ لَهَا دَارَهَا ثُمَّ أَرَادَ نَقْلَهَا فَتَخَاصَمُوا إلَى عُمَرَ. فَقَالَ عُمَرُ: لَهَا شَرْطُهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إذَنْ يُطَلِّقْنَنَا فَقَالَ عُمَرُ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ " وَأَمَّا حَدِيثُ {كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ} أَيْ: لَيْسَ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ وَهَذَا مَشْرُوعٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وَعَلَى مَنْ نَفَاهَا الدَّلِيلُ. وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يُحَرِّمُ الْحَلَالَ لَيْسَ مُسَلَّمًا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ إذَا لَمْ يَفِ لَهَا بِهِ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَقَوْلُهُمْ لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ. الْمَرْأَةِ وَمَا كَانَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَاقِدِ فَهُوَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ كَاشْتِرَاطِ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فِي الْبَيْعِ وَيَصِحُّ جَمْعٌ بَيْنَ شَرْطَيْنِ هُنَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ عَنْ ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ. (فَإِنْ لَمْ يَفِ) زَوْجٌ لَهَا بِمَا شَرَطَتْهُ (فَلَهَا الْفَسْخُ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ " مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ " وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ الزَّوْجِ إذَنْ يُطَلِّقْنَنَا وَكَالْبَيْعِ (عَلَى التَّرَاخِي) لِأَنَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَشْبَهَ خِيَارَ الْقِصَاصِ (بِفِعْلِهِ) أَيْ الزَّوْجِ مَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ كَالتَّزَوُّجِ وَالتَّسَرِّي وَالسَّفَرِ بِهَا و(لَا) فَسْخَ لَهَا بِ (عَزْمِهِ) عَلَى الْفِعْلِ قَبْلَهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُخَالَفَةِ. (وَلَا يَسْقُطُ) مِلْكُهَا الْفَسْخَ لِعَدَمِ وَفَائِهِ بِمَا اشْتَرَطَتْهُ (إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضًا) مِنْهَا (مِنْ قَوْلٍ أَوْ تَمْكِينٍ) كَأَنْ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا (مَعَ الْعِلْمِ) بِفِعْلِهِ مَا اشْتَرَطَتْ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَإِنْ مَكَّنَتْهُ قَبْلَ الْعِلْمِ لَمْ يَسْقُطْ فَسْخُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا بِتَرْكِ الْوَفَاءِ فَلَا أَثَرَ لَهُ كَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ (لَكِنْ لَوْ شَرَطَ) لَهَا (أَنْ لَا يُسَافِرَ بِهَا فَخَدَعَهَا وَسَافَرَ بِهَا ثُمَّ كَرِهَتْهُ وَلَمْ تُسْقِطْ حَقَّهَا مِنْ الشَّرْطِ لَمْ يُكْرِهْهَا بَعْدَ) ذَلِكَ عَلَى السَّفَرِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الشَّرْطِ فَإِنْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الشَّرْطِ سَقَطَ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْإِنْصَافِ أَنَّهُ الصَّوَابُ. (وَمَنْ شَرَطَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ مَنْزِلِ أَبَوَيْهَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ أَبَوَيْهَا (بَطَلَ الشَّرْطُ) لِأَنَّ الْمَنْزِلَ صَارَ لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَهُمَا فَاسْتَحَالَ إخْرَاجُهَا مِنْ مَنْزِلِ أَبَوَيْهَا فَبَطَلَ الشَّرْطُ وَكَذَا إنْ تَعَذَّرَ سُكْنَى الْمَنْزِلِ لِنَحْوِ خَرَابٍ فَلَهُ أَنْ يَسْكُنَ بِهَا حَيْثُ أَرَادَ سَوَاءٌ رَضِيَتْ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالشَّرْطُ. عَارِضٌ وَقَدْ زَالَ فَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ مَحْضُ حَقِّهِ (وَمَنْ شَرَطَتْ) عَلَى زَوْجِهَا (سُكْنَاهَا مَعَ أَبِيهِ ثُمَّ أَرَادَتْهَا) أَيْ السُّكْنَى (مُنْفَرِدَةً فَلَهَا ذَلِكَ) أَيْ طَلَبُهُ بِإِسْكَانِهَا مُنْفَرِدَةً؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّهَا لِمَصْلَحَتِهَا لَا لِحَقِّهَا لِمَصْلَحَتِهِ فَلَا يَلْزَمُ فِي حَقِّهَا، وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا مَنْ شَرَطَتْ دَارَهَا فِيهَا أَوْ فِي دَارِهِ لَزِمَهُ تَسَلُّمُهُ.
الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ (فَاسِدٌ وَهُوَ نَوْعَانِ نَوْعٌ) مِنْهُمَا (يُبْطِلُ النِّكَاحَ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ) أَيْ الْمُبْطِلُ لِلنِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ (ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) أَحَدُهَا (نِكَاحُ الشِّغَارِ) بِكَسْرِ الشِّينِ (وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَهُ) أَيْ يُزَوِّجَ رَجُلٌ رَجُلًا (وَلِيَّتَهُ) أَيْ بِنْتَه أَوْ أُخْتَهُ وَنَحْوَهُمَا (عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ وَلَا مَهْرَ بَيْنَهُمَا) يُقَالُ: شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِيَبُولَ فَسُمِّيَ هَذَا النِّكَاحُ شِغَارًا تَشْبِيهًا فِي الْقُبْحِ بِرَفْعِ الْكَلْبِ رِجْلَهُ لِلْبَوْلِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا فَرَّقَا فِيهِ بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشِّغَارِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ مُسْلِفًا فِي الْآخَرِ فَلَمْ يَصِحَّ كَقَوْلِهِ بِعْنِي ثَوْبَكَ عَلَى أَنْ أَبِيعَكَ ثَوْبِي وَلَيْسَ فَسَادُهُ مِنْ قِبَلِ التَّسْمِيَةِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، وَلِأَنَّهُ شَرْطُ تَمْلِيكِ الْبُضْعِ لِغَيْرِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ جَعَلَ تَزْوِيجَهُ إيَّاهَا مَهْرًا لِلْأُخْرَى فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهَا بِشَرْطِ انْتِزَاعِهَا مِنْهُ وَسَوَاءٌ قَالَ عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى أَوْ لَمْ يَقُلْهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {نُهِيَ عَنْ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى غَيْرِهِ (أَوْ يَجْعَلَ بُضْعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (مَعَ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ مَهْرًا لِلْأُخْرَى) فَلَا يَصِحُّ لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ سَمَّوْا مَهْرًا مُسْتَقِلًّا غَيْرَ قَلِيلٍ وَلَا حِيلَةَ صَحَّ) النِّكَاحُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسَمَّى مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا حِيلَةً لَمْ يَصِحَّ وَكَلَامُ الْحَجَّاوِيُّ هُنَا فِي. الْحَاشِيَةِ (وَإِنْ سَمَّى) مَهْرًا (لِإِحْدَاهُمَا) دُونَ الْأُخْرَى (صَحَّ نِكَاحُهَا) أَيْ مَنْ سَمَّى الْمَهْرَ لَهَا (فَقَطْ) لِأَنَّ فِيهِ تَسْمِيَةً وَشَرْطًا أَشْبَهَ مَا لَوْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرًا، وَإِنْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ جَارِيَتِي هَذِهِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ وَتَكُونَ رَقَبَتُهَا صَدَاقًا لِابْنَتِكَ لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا صَدَاقًا سِوَى تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ، وَإِذَا زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ رَقَبَةَ الْجَارِيَةِ صَدَاقًا لَهَا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ صَدَاقًا. وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ امْرَأَةً وَجَعَلَ رَقَبَتَهُ صَدَاقًا لَهَا لَمْ يَصِحَّ الصَّدَاقُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ فَيَفْسُدُ الصَّدَاقُ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ. (الثَّانِي) مِنْ الثَّلَاثَةِ أَشْيَاءَ (نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) أَيْ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا (عَلَى أَنَّهُ إذَا أَحَلَّهَا) لِمُطَلِّقِهَا أَيْ وَطِئَهَا (طَلَّقَهَا أَوْ) يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَحَلَّهَا (فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا) وَهُوَ حَرَامٌ بَاطِلٌ. لِحَدِيثِ {لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ {الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ مَلْعُونَانِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا {أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هُوَ الْمُحَلِّلُ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ} (أَوْ يَنْوِيَهُ) أَيْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ التَّحْلِيلَ (وَلَمْ يَذْكُرْ) الشَّرْطَ فِي الْعَقْدِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ أَيْضًا لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ مَا سَبَقَ. وَرَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: تَزَوَّجْتُهَا أُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا لَمْ يَأْمُرْنِي وَلَمْ يَعْلَمْ قَالَ: لَا، إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ إنْ أَعْجَبَتْكَ أَمْسَكْتَهَا وَإِنْ كَرِهْتَهَا فَارَقْتَهَا. قَالَ: وَإِنْ كُنَّا نَعْهَدُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِفَاحًا. وَقَالَ: لَا يَزَالَا زَانِيَيْنِ وَإِنْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَحِلَّهَا لَهُ " وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ. وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنَّ أَعْمَى طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا. أَيُحِلُّهَا لَهُ رَجُلٌ. قَالَ: مَنْ يُخَادِعْ اللَّهَ يَخْدَعْهُ. (أَوْ يَتَّفِقَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ نِكَاحُ مُحَلِّلٍ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْعَقْدِ فَلَا. يَصِحُّ إنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ وَيَنْوِيَ حَالَ الْعَقْدِ أَنَّهُ نِكَاحُ رَغْبَةٍ فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ صَحَّ لِخُلُوِّهِ عَنْ نِيَّةِ التَّحَلُّلِ وَشَرْطِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ ذِي الرُّقْعَتَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ (أَوْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ بِمُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا بِنِيَّةِ هِبَتِهِ) مِنْهَا (أَوْ) بِنِيَّةِ هِبَةِ (بَعْضِهِ أَوْ) بِنِيَّةِ (بَيْعِهِ أَوْ) بَيْعِ (بَعْضِهِ مِنْهَا لِيَفْسَخَ نِكَاحَهَا) فَلَا يَصِحُّ. قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا نَهَى عَنْهُ عُمَرُ يُؤَدَّبَانِ جَمِيعًا وَعَلَّلَ فَسَادَهُ بِشَيْئَيْنِ. أَحَدِهِمَا. أَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُحَلِّلَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَوَّجَهَا إيَّاهُ لِيُحِلَّهَا لَهُ. وَالثَّانِي: كَوْنُهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهَا (وَمَنْ لَا فُرْقَةَ بِيَدِهِ لَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ فَلَوْ وَهَبَتْ) مُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا (مَالًا لِمَنْ تَثِقُ بِهِ لِيَشْتَرِيَ مَمْلُوكًا فَاشْتَرَاهُ وَزَوَّجَهُ بِهَا ثُمَّ وَهَبَهُ أَوْ) وَهَبَ (بَعْضَهُ لَهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَحْلِيلٌ مَشْرُوطٌ وَلَا مَنْوِيٌّ مِمَّنْ تُؤَثِّرُ نِيَّتُهُ أَوْ شَرْطُهُ وَهُوَ الزَّوْجُ) وَلَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلِيِّ، قَالَهُ فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ، وَقَالَ: صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ ذَلِكَ يُحِلُّهَا وَذَكَرَ كَلَامَهُ فِي الْمُغْنِي فِيهَا. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا وَمَنْ لَا فُرْقَةَ بِيَدِهِ لَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ. قَالَهُ فِي التَّنْقِيحِ (وَالْأَصَحُّ قَوْلُ الْمُنَقِّحِ) بَعْدَ ذَلِكَ (قُلْت: الْأَظْهَرُ عَدَمُ الْإِخْلَالِ) قَالَ فِي الْوَاضِحِ: نِيَّتُهَا كَنِيَّتِهِ. وَفِي الرَّوْضَةِ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ بَاطِلٌ إذَا اتَّفَقَا فَإِنْ اعْتَقَدَتْ ذَلِكَ بَاطِنًا وَلَمْ تُظْهِرْهُ صَحَّ فِي الْحُكْمِ وَبَطَلَ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. (الثَّالِثُ) مِنْ الثَّلَاثَةِ أَشْيَاءَ (نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (إلَى مُدَّةٍ أَوْ يَشْرِطَ طَلَاقِهَا فِيهِ) أَيْ النِّكَاحِ (بِوَقْتٍ) كَزَوَّجْتُكَ ابْنَتِي شَهْرًا أَوْ سَنَةً أَوْ إلَى انْقِضَاءِ الْمَوْسِمِ أَوْ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ وَنَحْوِهِ، فَيَبْطُلُ نَصًّا لِحَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ أَنَّهُ قَالَ " أَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ حَدَّثَ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ}. وَفِي لَفْظٍ {إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ مُتْعَةَ النِّسَاءِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِمُسْلِمٍ عَنْ سَبْرَةَ {أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ حِينَ دَخَلْنَا مَكَّةَ ثُمَّ لَمْ نَخْرُجْ حَتَّى نَهَانَا عَنْهَا} وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الرُّجُوعُ عَنْ قَوْلِهِ بِجَوَازِ الْمُتْعَةِ. وَأَمَّا إذْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقَدْ ثَبَتَ نَسْخُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْلَمَ شَيْئًا أَحَلَّهُ اللَّهُ ثُمَّ حَرَّمَهُ ثُمَّ أَحَلَّهُ ثُمَّ حَرَّمَهُ إلَّا الْمُتْعَةَ (أَوْ يَنْوِيَهُ) أَيْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ طَلَاقَهَا بِوَقْتٍ (بِقَلْبِهِ أَوْ يَتَزَوَّجَ الْغَرِيبُ بِنِيَّةِ طَلَاقِهَا إذَا خَرَجَ) لِيَعُودَ إلَى وَطَنِهِ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْمُتْعَةِ (أَوْ يُعَلِّقَ النِّكَاحَ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ زَوَّجْتُ) إنْ شَاءَ اللَّهُ أ (وَقَبِلْتُ إنْ شَاءَ اللَّهُ) فَيَبْطُلَ النِّكَاحُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ (مُسْتَقْبَلٍ كَ) قَوْلِهِ (زَوَّجْتُك) ابْنَتِي (إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إنْ رَضِيَتْ أُمُّهَا أَوْ إنْ وَضَعَتْ زَوْجَتِي ابْنَةً فَقَدْ زَوَّجْتُكهَا) لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ وَقَفَ النِّكَاحَ عَلَى شَرْطٍ فَلَمْ يَجُزْ. (وَيَصِحُّ) تَعْلِيقُ النِّكَاحِ (عَلَى) شَرْطٍ (مَاضٍ) أ (وَ) عَلَى شَرْطٍ (حَاضِرٍ) فَالْمَاضِي (كَ) قَوْلِهِ زَوَّجْتُكَ فُلَانَة (إنْ كَانَتْ بِنْتِي أَوْ) زَوَّجْتُكهَا (إنْ كُنْتُ وَلِيَّهَا أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَهُمَا) أَيْ الْعَاقِدَانِ (يَعْلَمَانِ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهَا بِنْتُهُ وَأَنَّهُ وَلِيُّهَا وَأَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ وَالشَّرْطُ الْحَاضِرُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِ (أَوْ) زَوَّجْتُكَهَا (إنْ شِئْتَ فَقَالَ: شِئْتُ وَقَبِلْتُ وَنَحْوِهِ) فَيَصِحُّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيقِ حَقِيقَةً بَلْ تَوْكِيدٌ وَتَقْوِيَةُ النَّوْعِ. (الثَّالِثُ) مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ مَا يَصِحُّ مَعَهُ النِّكَاحُ نَحْوُ (أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا مَهْرَ) لَهَا (أَوْ لَا نَفَقَةَ) لَهَا (أَوْ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ ضَرَّتِهَا أَوْ) أَنْ يَقْسِمَ لَهَا (أَقَلَّ) مِنْ ضَرَّتِهَا (أَوْ أَنْ يَشْتَرِطَا) عَدَمَ وَطْءٍ (أَوْ) يَشْتَرِطَ (أَحَدُهُمَا عَدَمَ وَطْءٍ وَنَحْوِهِ) كَعَزْلِهِ عَنْهَا، أَوْ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهَا فِي الْجُمُعَةِ إلَّا لَيْلَةً أَوْ شَرَطَ لَهَا النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ أَوْ شَرَطَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ أَنْ تُعْطِيَهُ شَيْئًا (أَوْ) شَرَطَ أَنَّهُ (إنْ فَارَقَ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ أَوْ) شَرَطَ (خِيَارًا فِي عَقْدٍ أَوْ) شَرَطَ خِيَارًا فِي (مَهْرٍ أَوْ) شَرَطَتْ عَلَيْهِ (إنْ جَاءَ) هَا (بِهِ) أَيْ الْمَهْرِ (فِي وَقْتِ كَذَا وَإِلَّا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا أَوْ) شَرَطَتْ عَلَيْهِ (أَنْ يُسَافِرَ بِهَا) وَلَوْ لِحَجٍّ (أَوْ أَنْ تَسْتَدْعِيَهُ لِوَطْءٍ عِنْدَ إرَادَتِهَا أَوْ أَنْ لَا تُسَلِّمَ نَفْسَهَا إلَيْهِ) إلَى مُدَّةِ كَذَا وَنَحْوِهِ كَإِنْفَاقِهِ عَلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ (فَيَصِحُّ النِّكَاحُ دُونَ الشَّرْطِ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلِتَضَمُّنِهِ إسْقَاطَ حُقُوقٍ تَجِبُ بِالْعَقْدِ قَبْلَ انْعِقَادِهِ كَإِسْقَاطِ الشَّفِيعِ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَأَمَّا الْعَقْدُ نَفْسُهُ فَصَحِيحٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ تَعُودُ إلَى مَعْنًى زَائِدٍ فِي الْعَقْدِ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِيهِ وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِهِ فَلَمْ يُبْطِلْهُ كَشَرْطِ صَدَاقٍ مُحَرَّمٍ فِيهِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْعِوَضِ فَجَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ مَعَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَالْعِتْقِ (وَمَنْ طَلَّقَ بِشَرْطِ خِيَارٍ وَقَعَ) طَلَاقُهُ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَلَغَا الشَّرْطُ.
وَإِنْ شَرَطَهَا أَيْ الزَّوْجَةَ (مُسْلِمَةً أَوْ قِيلَ) أَيْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلزَّوْجِ (زَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْمُسْلِمَةَ أَوْ ظَنَّهَا) أَيْ ظَنَّ الزَّوْجُ الزَّوْجَةَ (مُسْلِمَةً وَلَمْ تُعْرَفْ) الزَّوْجَةُ (بِتَقَدُّمِ كُفْرٍ فَبَانَتْ كِتَابِيَّةً) فَلَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ عُرِفَتْ قَبْلُ بِكُفْرٍ فَلَا، لِتَفْرِيطِهِ (أَوْ) شَرَطَهَا الزَّوْجُ (بِكْرًا أَوْ جَمِيلَةً أَوْ نَسِيبَةً فَبَانَتْ بِخِلَافِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ أَوْ شَرَطَ) الزَّوْجُ فِي الْعَقْدِ (نَفْيَ عَيْبٍ) عَنْ الزَّوْجَةِ (لَا يَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ) كَشَرْطِهَا سَمِيعَةً أَوْ بَصِيرَةً (فَبَانَتْ بِخِلَافِهِ فَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (الْخِيَارُ) لِأَنَّهُ شَرَطَ صِفَةً مَقْصُودَةً فَفَاتَتْ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَهَا حُرَّةً فَبَانَتْ أَمَةً، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ فَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى الْغَارِّ. وَكَذَا لَوْ شَرَطَهَا حَسْنَاءَ فَبَانَتْ شَوْهَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ فَبَانَتْ سَوْدَاءَ أَوْ طَوِيلَةً فَبَانَتْ قَصِيرَةً أَوْ ذَاتَ نَسَبٍ فَبَانَتْ دُونَهُ لَا إنْ ظَنَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ. (وَلَا) خِيَارَ لَهُ (إنْ شَرَطَهَا كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ حُرَّةً) أَيْ شَرَطَهَا كِتَابِيَّةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ أَمَةً فَبَانَتْ حُرَّةً؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ فِيهَا (أَوْ شَرَطَ) فِي الزَّوْجَةِ (صِفَةً فَبَانَتْ) الزَّوْجَةُ (أَعْلَى مِنْهَا) أَيْ أَعْلَى مِنْ الصِّفَةِ الَّتِي شَرَطَهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً وَظَنَّ) أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ لَا عَتِيقَةٌ (أَوْ) تَزَوَّجَ امْرَأَةً و(شَرَطَ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ) مِنْهُ مَعَ جَهْلِهِ رِقَّهَا (فَوَلَدُهُ حُرٌّ) لِاعْتِقَادِهِ حُرِّيَّتَهُ بِاعْتِقَادِهِ حُرِّيَّةَ أُمِّهِ. (وَيَفْدِي) أَيْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ أَنْ يَفْدِيَ (مَا وُلِدَ) لَهُ مِنْ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ الَّتِي غُرَّ بِهَا (حَيًّا) لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ لِقَضَاءِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ نَمَاءُ الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ فَسَبِيلُهُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِمَالِكِهَا وَقَدْ فَوَّتَ رِقَّهُ بِاعْتِقَادِهِ الْحُرِّيَّةَ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ فَوَّتَ رِقَّهُ بِفِعْلِهِ فَيَفْدِيهِ (بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ وَكُلُّ الْحَيَوَانَاتِ مُتَقَوِّمَةٌ يَوْمَ وِلَادَتِهِ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ عِنْدَ وَضْعِهِ وَهُوَ أَوَّلُ أَوْقَاتِ إمْكَانِ تَقْوِيمِهِ وَقِيمَتُهُ الَّتِي تَزِيدُ بَعْدَ وَضْعِهِ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لِمَالِكِ الْأَمَةِ فَلَمْ يَضْمَنْهَا كَمَا بَعْدَ الْخُصُومَةِ (ثُمَّ إنْ كَانَ) الزَّوْجُ (مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ) بِأَنْ كَانَ حُرًّا وَاجِدَ الطَّوْلِ أَوْ غَيْرَ خَائِفٍ الْعَنَتَ (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) لِظُهُورِ بُطْلَانِ النِّكَاحِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَكَذَا إنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا وَنَحْوِهِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ (فَلَهُ الْخِيَارُ) بَيْنَ فَسْخِ النِّكَاحِ وَالْمُقَامِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ قَدْ غُرَّ فِيهِ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِحُرِّيَّةِ الْآخَرِ أَشْبَهَ عَكْسَهُ (فَإِنْ رَضِيَ بِالْمُقَامِ) مَعَهَا مَعَ ثُبُوتِ رِقِّهَا بِالْبَيِّنَةِ فَأَمَّا إنْ أَقَرَّتْ لِإِنْسَانٍ بِالرِّقِّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا عَلَى زَوْجِهَا نَصًّا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهَا يُزِيلُ النِّكَاحَ عَنْهَا وَيُثْبِتُ حَقًّا عَلَى غَيْرِهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّتْ بِمَالٍ عَلَى غَيْرِهَا (فَمَا) حَمَلَتْ و(وَلَدَتْ) عِنْدَ زَوْجٍ (بَعْدَ) ثُبُوتِ رِقِّهَا (فَ) هُوَ (رَقِيقٌ) لِرَبِّ. الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا (وَإِنْ كَانَ الْمَغْرُورُ) بِالْأَمَةِ بِأَنْ ظَنَّهَا أَوْ شَرَطَهَا حُرَّةً (عَبْدًا فَوَلَدُهُ مِنْهَا حُرٌّ) لِأَنَّهُ وَطِئَهَا مُعْتَقِدًا حُرِّيَّتَهَا أَشْبَهَ الْحُرَّ وَعِلَّةُ رِقِّ الْوَلَدِ رِقُّ أُمِّهِ خَاصَّةً وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَبِ، بِدَلِيلِ وَلَدِ الْحُرِّ مِنْ الْأَمَةِ وَوَلَدِ الْعَبْدِ مِنْ الْحُرَّةِ وَهُنَا يُقَالُ حُرٌّ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ و(يَفْدِيهِ) أَيْ يَفْدِي الْعَبْدُ وَلَدَهُ مِنْ أَمَةٍ غُرَّ بِهَا بِقِيمَتِهِ (يَوْمَ وِلَادَتِهِ) حَيًّا (إذَا عَتَقَ لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ الْفِدَاءِ (بِذِمَّتِهِ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّهُ بِاعْتِقَادِهِ الْحُرِّيَّةَ وَفِعْلِهِ وَلَا مَالَ لَهُ فِي الْحَالِ فَتَعَلَّقَ الْفِدَاءُ بِذِمَّتِهِ. (وَيَرْجِعُ زَوْجٌ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا (بِفِدَاءِ) غُرْمِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ إنْ كَانَ الْغَارُّ لَهُ أَجْنَبِيًّا قَضَى بِهِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ. (وَ) يَرْجِعُ زَوْجٌ (بَ) الْمَهْرِ (الْمُسَمَّى) لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ (عَلَى مَنْ غَرَّهُ إنْ كَانَ) الْغَارُّ لَهُ (أَجْنَبِيًّا) لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ الْوَطْءِ كَمَا ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ الْوَلَدِ فَكَمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ كَذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ وَكَذَا أُجْرَةُ انْتِفَاعِهِ بِهَا إنْ غَرِمَهَا (فَإِنْ كَانَ) الْغَارُّ لِلزَّوْجِ (سَيِّدَهَا وَلَمْ تَعْتِقْ بِذَلِكَ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ التَّغْرِيرُ بِلَفْظٍ تَحْصُلُ بِهِ الْحُرِّيَّةُ (أَوْ) كَانَ الْغَارُّ لِلزَّوْجِ (أَبَاهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ نَفْسِهَا (وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَلَا مَهْرَ لَهُ) أَيْ لِسَيِّدِهَا إذَا كَانَ هُوَ الْغَارَّ (وَلَا) مَهْرَ (لَهَا) أَيْ الْمُكَاتَبَةِ إنْ كَانَتْ هِيَ الْغَارَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي أَنْ يَجِبَ لِأَحَدِهِمَا مَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ. (وَوَلَدُهَا) أَيْ الْمُكَاتَبَةِ مِنْ زَوْجٍ غُرَّ بِحُرِّيَّتِهَا (مُكَاتَبٌ) لَوْلَا التَّغْرِيرُ تَبَعًا لَهَا (فَيَغْرَمُ أَبُوهُ قِيمَتَهُ لَهَا) إنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ الْغَارَّةَ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهَا وَيَرْجِعُ بِمَا. يَغْرَمُهُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ. (وَإِنْ كَانَتْ) الزَّوْجَةُ الْغَارَّةُ (قِنًّا) أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَمْ يَسْقُطْ مَهْرُهَا وَيَغْرَمُهُ وَفِدَاءُ وَلَدِهَا لِسَيِّدِهَا وَيُقَوَّمُ وَلَدُ أُمِّ وَلَدٍ كَأَنَّهُ قِنٌّ و(تَعَلَّقَ) مَا غَرِمَهُ لِسَيِّدِهَا (بِرَقَبَتِهَا) فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهَا بَيْنَ فِدَائِهَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ الْغُرْمِ أَوْ يُسَلِّمُهَا إنْ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنْ اخْتَارَ فِدَاءَهَا بِقِيمَتِهَا سَقَطَ قَدْرُهَا عَنْ الزَّوْجِ مِمَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إيجَابِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ وَإِنْ اخْتَارَ تَسْلِيمَهَا سَلَّمَهَا وَأَخَذَ مَالَهُ. (وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا) إذَا غَرَّتْ زَوْجَهَا بِحُرِّيَّتِهَا (يَجِبُ لَهَا الْبَعْضُ) مِنْ مَهْرِهَا بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهَا (فَيَسْقُطُ مَا وَجَبَ لَهَا لِمَا تَقَدَّمَ) وَيَجِبُ بَاقِيهِ لِمَالِكِ الْبَقِيَّةِ وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا فَيَخْرُجُ سَيِّدُهَا كَكَامِلَةِ الرِّقِّ (وَوَلَدُهَا) أَيْ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا (يَغْرَمُ أَبُوهُ قَدْرَ رِقِّهِ) مِنْ قِيمَتِهِ، وَيَرْجِعُ مِنْ سَيِّدٍ وَزَوْجَةِ مُكَاتَبِهِ وَمُبَعَّضَةٍ (مُطَالَبَةَ غَارٍّ) لِزَوْجٍ (ابْتِدَاءً) نَصًّا بِدُونِ مُطَالَبَةِ الزَّوْجِ (وَالْغَارُّ مَنْ عَلِمَ رِقَّهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ أَوْ رِقَّ بَعْضِهَا (وَلَمْ يُبَيِّنْهُ) لِلزَّوْجِ بَلْ أَتَى بِمَا يُوهِمُهُ حُرِّيَّتَهَا، كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ. (وَمَنْ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ وَتَظُنُّهُ حُرًّا فَبَانَ عَبْدًا فَلَهَا الْخِيَارُ إنْ صَحَّ النِّكَاحُ) بِأَنْ كَمَلَتْ شُرُوطُهُ وَكَانَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ لَمْ يُحْتَجْ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَمَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَإِنْ اخْتَارَتْ إمْضَاءَهُ فَلِأَوْلِيَائِهَا الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَلَهَا الْخِيَارُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْعَبْدِ إذَا غُرَّ بِأَمَةٍ ثَبَتَ لِلْأَمَةِ إذَا غُرَّتْ بِعَبْدٍ (وَإِنْ شَرَطَتْ) زَوْجَةٌ فِي زَوْجٍ (صِفَةً) كَكَوْنِهِ نَسِيبًا أَوْ عَفِيفًا أَوْ جَمِيلًا وَنَحْوَهُ (فَبَانَ أَقَلَّ) مِمَّا شَرَطَتْهُ (فَلَا فَسْخَ) لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ أَشْبَهَ شَرْطَهَا طُولَهُ أَوْ قِصَرَهُ (إلَّا بِشَرْطِ حُرِّيَّةٍ) أَيْ إذَا شَرَطَتْهُ حُرًّا فَبَانَ عَبْدًا فَلَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَعَتَقَتْ تَحْتَهُ فَهُنَا أَوْلَى وَكَذَا شَرْطُهَا فِيهِ صِفَةً يُخِلُّ فَقْدُهَا بِالْكَفَاءَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ.
وَلِمَنْ أَيْ وَلِأَمَةٍ وَمُبَعَّضَةٍ عَتَقَتْ كُلُّهَا تَحْتَ رَقِيقٍ كُلِّهِ الْفَسْخُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا إجْمَاعًا لَا إنْ كَانَ حُرًّا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهَا كَافَأَتْ زَوْجَهَا فِي الْكَمَالِ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ الْكِتَابِيَّةُ تَحْتَ مُسْلِمٍ فَأَمَّا خَبَرُ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {خَيَّرَ بَرِيرَةَ وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا} رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، فَقَدْ رَوَى عَنْهَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةُ " أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُمَا أَخَصُّ بِهَا مِنْ الْأَسْوَدِ؛ لِأَنَّهُمَا ابْنُ أَخِيهَا وَابْنُ أُخْتِهَا. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " كَانَ زَوْج بَرِيرَةَ عَبْدًا أَسْوَدَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ يُقَالُ لَهُ الْمُغِيثُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ قَالَا فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ: إنَّهُ عَبْدٌ، رِوَايَةُ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَعَمَلِهِمْ، وَإِذَا رَوَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَدِيثًا وَعَمِلُوا بِهِ فَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنَّهُ حُرٌّ عَنْ الْأَسْوَدِ وَحْدَهُ، قَالَ: وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فَلَا يُفْسَخُ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَالْحُرُّ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالْعَبْدُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَيُخَالِفُ الْحُرُّ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ نَاقِصٌ فَإِذَا كَمَلَتْ تَحْتَهُ تَضَرَّرَتْ بِبَقَائِهَا عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْحُرِّ. (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَعْتِقْ كُلُّهَا تَحْتَ رَقِيقٍ كُلِّهِ بِأَنْ عَتَقَتْ بَعْضُهَا أَوْ عَتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ مُبَعَّضٍ فَلَا فَسْخَ (أَوْ عَتَقَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (مَعًا) بِأَنْ كَانَا لِوَاحِدٍ فَأَعْتَقَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كَانَا لِاثْنَيْنِ فَوَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ وَكَّلَا وَاحِدًا فَأَعْتَقَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ (فَلَا) فَسْخَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْتِقْ كُلُّهَا تَحْتَ رَقِيقٍ كُلِّهِ (فَتَقُولُ) الْعَتِيقَةُ إنْ اخْتَارَتْ. الْفَسْخَ (فَسَخْتُ نِكَاحِي أَوْ اخْتَرْتُ نَفْسِي) أَوْ اخْتَرْتُ فِرَاقَهُ. (وَ) قَوْلُهَا (طَلَّقْتُهَا) أَيْ طَلَّقْتُ نَفْسِي (كِنَايَةً عَنْ الْفَسْخِ) فَيَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا إنْ نَوَتْ بِهِ الْفُرْقَةَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَى الْفَسْخِ فَصَلُحَ كَوْنُهُ كِنَايَةً عَنْهُ كَالْكِنَايَةِ بِالْفَسْخِ عَنْ الطَّلَاقِ وَلَيْسَ فَسْخُهَا نِكَاحِهَا إنْ نَوَتْ بِهِ الْفُرْقَةَ طَلَاقًا. لِحَدِيثِ {الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ} وَكَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا وَلَهَا الْفَسْخُ (وَلَوْ مُتَرَاخِيًا) كَخِيَارِ الْعَيْبِ (مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى رِضًا) بِالْمُقَامِ مَعَهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأُخْتِهِ حَفْصَةَ. لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد " {إنَّ بَرِيرَةَ عَتَقَتْ وَهِيَ عِنْدَ مُغِيثٍ عَبْدٍ لِآلِ بَنِي مُحَمَّدٍ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهَا: إنْ قَرِبَكِ فَلَا خِيَارَ لَكِ} وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ لِابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ (وَلَا يَحْتَاجُ) نُفُوذُ (فَسْخِهَا لِحُكْمِ حَاكِمٍ) لِلْإِجْمَاعِ وَعَدَمِ احْتِيَاجِهِ لِلِاجْتِهَادِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ فَافْتَقَرَ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ كَالْفَسْخِ لِلْإِعْسَارِ. (فَإِنْ عَتَقَ) زَوْجُ عَتِيقَةٍ (قَبْلَ فَسْخٍ) بَطَلَ خِيَارُهَا لِزَوَالِ عِلَّتِهِ وَهِيَ الرِّقُّ (أَوْ مَكَّنَتْهُ) أَيْ الرَّقِيقَ الْعَتِيقَةُ (مِنْ وَطْئِهَا أَوْ) مِنْ (مُبَاشَرَتِهَا وَنَحْوِهِ) كَقُبْلَتِهَا (وَلَوْ جَاهِلَةً عِتْقَهَا أَوْ) جَاهِلَةً (مِلْكَ الْفَسْخِ بَطَلَ خِيَارُهَا) لِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ رِجَالًا يُحَدِّثُونَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {إذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ فَهِيَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَطَأْهَا إنْ شَاءَتْ فَارَقَتْ فَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا} رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ {فَإِنْ قَرِبَكِ فَلَا خِيَارَ لَكِ}. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا لَمْ يَمَسَّهَا وَيَجُوزُ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا بَعْدَ عِتْقِهَا مَعَ عَدَمِ عِلْمِهَا بِهِ (وَلِبِنْتِ تِسْعٍ أَوْ) بِنْتٍ (دُونَهَا إذَا بَلَغَتْهَا) أَيْ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ الْخِيَارُ (وَلِمَجْنُونَةٍ إذَا عَقَلَتْ الْخِيَارُ) لِأَنَّهُمَا صَارَا عَلَى صِفَةٍ لِكُلِّ مِنْهُمَا حُكْمٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بِزَوْجَيْهِمَا عَيْبٌ يُوجِبُ الْفَسْخَ فَإِنْ وَطِئَهُمَا زَوْجَاهُمَا فَعَلَى مَا سَبَقَ لَا خِيَارَ لَهُمَا؛ لِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَا خِيَارَ لِبِنْتٍ دُونَ تِسْعٍ وَلَا لِمَجْنُونَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُمَا (دُونَ وَلِيِّ) مَجْنُونَةٍ وَبِنْتِ تِسْعٍ أَوْ أَقَلَّ فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الشَّهْوَةُ فَلَا تَدْخُلُهُ الْوِلَايَة كَالْقِصَاصِ (فَإِنْ طَلَقَتْ) مَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ (قَبْلَهُ) أَيْ الْفَسْخِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ عَاقِلٍ يَمْلِكُ الْعِصْمَةَ فَنَفَذَ كَمَا لَوْ لَمْ تَعْتِقْ الزَّوْجَةُ (وَبَطَلَ خِيَارُهَا إنْ كَانَ) الطَّلَاقُ (بَائِنًا) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ. (وَإِنْ عَتَقَتْ) الْأَمَةُ (الرَّجْعِيَّةُ) فِي عِدَّتِهَا فَلَهَا الْخِيَارُ (أَوْ عَتَقَتْ) الْأَمَةُ تَحْتَ عَبْدٍ (ثُمَّ طَلَّقَهَا) زَوْجُهَا الْعَبْدُ طَلَاقًا (رَجْعِيًّا فَلَهَا الْخِيَارُ) مَادَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ نِكَاحِهَا وَلِفَسْخِهَا فَائِدَةٌ فَإِنَّهَا لَا تَأْمَنُ رَجْعَتَهُ إذَا لَمْ تَفْسَخْ وَإِذَا فَسَخَتْ بِنْتٌ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يُنَافِي عِدَّةَ الطَّلَاقِ فَلَا يُبْطِلُهَا كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً أُخْرَى وَتُتِمُّ عِدَّةَ حُرَّةٍ؛ لِأَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ عَتَقَتْ فِي عِدَّتِهَا. (فَإِنْ رَضِيَتْ) رَجْعِيَّةٌ (بِالْمُقَامِ) تَحْتَ الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهَا (بَطَلَ) خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهَا حَالَةٌ يَصِحُّ فِيهَا اخْتِيَارُ الْفَسْخِ فَصَحَّ اخْتِيَارُ الْمُقَامِ كَصُلْبِ النِّكَاحِ فَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَسُكُونُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا. (وَمَتَى فَسَخَتْ) عَتِيقَةٌ نِكَاحَهَا (بَعْدَ دُخُولٍ فَمَهْرُهَا لِسَيِّدِهَا) لِوُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ وَهِيَ مِلْكُهُ حَالَتَهُ كَمَا لَوْ لَمْ تَفْسَخْ وَالْوَاجِبُ الْمُسَمَّى لِصِحَّةِ الْعَقْدِ. (وَ) مَتَى فَسَخَتْ (قَبْلَهُ) أَيْ الدُّخُولِ فَ (لَا مَهْرَ) نَصًّا لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا (وَمَنْ شَرَطَ مُعْتِقُهَا) فِي عِتْقِهَا (أَنْ لَا تَفْسَخَ نِكَاحَهَا وَرَضِيَتْ) صَحَّ وَلَزِمَهَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِشَرْطٍ صَحِيحٍ (أَوْ بُذِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (لَهَا) أَيْ لِمَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ (عِوَضٌ) مِنْ السَّيِّدِ أَوْ غَيْرِهِ (لِتُسْقِطَ حَقَّهَا مِنْ فَسْخٍ مَلَكَتْهُ) بِالْعِتْقِ (صَحَّ) ذَلِكَ (وَلَزِمَهَا) نَصًّا وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى صِحَّةِ إسْقَاطِ الْخِيَارِ بِعِوَضٍ وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِجَوَازِهِ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ. (وَمَنْ زَوَّجَ مُدَبَّرَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ بِعَبْدٍ عَلَى مِائَتَيْنِ مَهْرًا ثُمَّ مَاتَ) السَّيِّدُ (عَتَقَتْ وَلَا فَسْخَ) أَيْ لَا خِيَارَ لَهَا إنْ مَاتَ سَيِّدُهَا (قَبْلَ الدُّخُولِ) بِهَا (؛ لِئَلَّا يَسْقُطَ الْمَهْرُ) لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا (فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَرِقُّ بَعْضُهَا) فَيُفْضِي إثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهَا إلَى إسْقَاطِهِ (فَيَمْتَنِعُ الْفَسْخُ) فَيُعَايَا بِهَا (فَهَذِهِ) الصُّورَةُ (مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ) مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ لَهَا الْخِيَارُ وَإِذَا زَادَ زَوْجُ الْعَتِيقَةِ فِي مَهْرِهَا بَعْدَ عِتْقِهَا فَالزِّيَادَةُ لَهَا دُونَ سَيِّدِهَا حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا عَتَقَ مَعَهَا أَوْ لَا قَالَ فِي الشَّرْحِ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا ثُمَّ بَاعَهَا فَزَادَ زَوْجُهَا فِي مَهْرِهَا فَالزِّيَادَةُ لِلثَّانِي. (وَلِمَالِكِ زَوْجَيْنِ بَيْعُهُمَا وَ) لَهُ بَيْعُ (أَحَدِهِمَا وَلَا فُرْقَةَ بِذَلِكَ) أَيْ بَيْعِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي النِّكَاحِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَهُ عَبْدٌ وَأَمَةٌ مُتَزَوِّجَانِ إذَا أَرَادَ عِتْقَهُمَا الْبُدَاءَةُ بِالرَّجُلِ؛ لِئَلَّا يَثْبُتَ لَهَا عَلَيْهِ خِيَارٌ فَتَفْسَخُ نِكَاحَهُ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ {أَنَّهُ كَانَ لَهَا غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ فَتَزَوَّجَا فَقَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْتِقَهُمَا، فَقَالَ لَهَا: ابْدَئِي بِالرَّجُلِ قَبْلَ الْمَرْأَةِ} وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ "أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ وَقَالَتْ لِلرَّجُلِ: إنْ بَدَأَتْ بِعِتْقِك؛ لِئَلَّا يَكُونَ لَهَا عَلَيْك خِيَارٌ".
أَيْ بَيَانِ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ مِنْهَا وَمَا لَا خِيَارَ بِهِ (وَأَقْسَامُهَا) أَيْ الْعُيُوبِ (الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ ثَلَاثَةٌ): مِنْهَا (قِسْمٌ يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ) وَثُبُوتِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إذَا وَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فِي الْجُمْلَةِ. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْوَطْءَ، فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي النِّكَاحِ فَجَازَ رَدُّهَا بِعَيْبٍ كَالصَّدَاقِ، وَلِأَنَّ الرَّجُلَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِالْعَيْبِ فِي الْآخَرِ كَالْمَرْأَةِ. وَأَمَّا الْعَمَى وَالزَّمَانَةُ وَنَحْوَهُمَا فَلَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْوَطْءُ، بِخِلَافِ الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْجُنُونِ، فَإِنَّهَا تُوجِبُ نَفْرَةً تَمْنَعُ مِنْ قُرْبَانِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَيُخَافُ مِنْهُ التَّعَدِّيَ إلَى نَفْسِهِ وَنَسْلِهِ. وَالْمَجْنُونُ يُخَافُ مِنْهُ الْجِنَايَةُ فَهُوَ كَالْمَانِعِ الْحِسِّيِّ (وَهُوَ) أَيْ الْقِسْمُ الْمُخْتَصُّ بِالرَّجُلِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا (كَوْنُهُ) أَيْ الرَّجُلِ (قَدْ قُطِعَ ذَكَرُهُ) كُلُّهُ (أَوْ) قُطِعَ (بَعْضُهُ وَلَمْ يَبْقَ) مِنْهُ (مَا يُمْكِنُ جِمَاعٌ بِهِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا) إنْ اخْتَلَفَا (فِي) إمْكَانِ الْوَطْءِ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ و(عَدَمِ إمْكَانِهِ) أَيْ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ يَضْعُفُ بِالْقَطْعِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوَطْءِ. الشَّيْءُ الثَّانِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ قُطِعَ خُصْيَتَاهُ أَوْ رُضَّتْ بَيْضَتَاهُ) أَيْ عِرْقُهُمَا حَتَّى يَنْفَسِخَ (أَوْ سُلَّا) أَيْ بَيْضَتَاهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْصًا يَمْنَعُ الْوَطْءَ أَوْ يُضْعِفُهُ. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ ابْنَ سَعْدٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ خَصِيٌّ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَعْلَمْتَهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَعْلِمْهَا ثُمَّ خَيِّرْهَا الشَّيْءُ الثَّالِثُ: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ عِنِّينًا لَا يُمْكِنُهُ وَطْءٌ وَلَوْ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ) لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ عَنَّ يَعِنُّ إذَا. اعْتَرَضَ؛ لِأَنَّ ذَكَرَهُ يَعِنُّ إذَا أَرَادَ أَنْ يُولِجَهُ أَيْ يَعْتَرِضَ؛ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لِامْرَأَةِ الْعِنِّينِ بَعْدَ تَأْجِيلِهِ سَنَةً. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَعَلَيْهِ فَتْوَى فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ، وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ كَالْجَبِّ. وَأَمَّا قِصَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَلَمْ تَثْبُتْ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ طَلَاقِهِ فَلَا مَعْنَى لِضَرْبِ الْمُدَّةِ (فَإِنْ) عُلِمَ أَنَّ عَجْزَهُ عَنْ الْوَطْءِ لِعَارِضٍ كَصِغَرٍ وَمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ، لَمْ تُضْرَبْ لَهُ الْمُدَّةُ. فَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عُنَّةَ زَوْجِهَا (وَأَقَرَّ بِالْعُنَّةِ أَوْ ثَبَتَتْ) عُنَّتُهُ (بِبَيِّنَةٍ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالثِّقَةِ عُمِلَ بِهَا (أَوْ عَدِمَا) أَيْ الْإِقْرَارُ وَالْبَيِّنَةُ (فَطَلَبَتْ يَمِينَهُ فَنَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (وَلَمْ يَدَّعِ وَطْئًا) قَبْلَ دَعْوَاهَا (أُجِّلَ سَنَةً هِلَالِيَّةً) وَلَوْ عَبْدًا (مُنْذُ تَرَافُعِهِ)؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ الْعَجْزَ قَدْ يَكُونُ لِعُنَّةٍ وَقَدْ يَكُونُ لِمَرَضٍ فَضُرِبَتْ لَهُ سَنَةٌ لِتَمُرَّ بِهِ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ. فَإِنْ كَانَ مِنْ يَبَسٍ زَالَ فِي فَصْلِ الرُّطُوبَةِ وَبِالْعَكْسِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ بُرُودَةٍ زَالَ فِي فَصْلِ الْحَرَارَةِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ احْتِرَاقِ مَزَاجٍ زَالَ فِي فَصْلِ الِاعْتِدَالِ. فَإِنْ مَضَتْ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ وَلَمْ يَزُلْ عُلِمَ أَنَّهَا خِلْقَةٌ (وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ مِنْهَا) أَيْ السَّنَةِ (مَا اعْتَزَلَتْهُ) أَيْ مُدَّةُ اعْتِزَالِ الزَّوْجَةِ لَهُ (فَقَطْ) لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قِبَلِهَا وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ أَوْ سَافَرَ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ (فَإِنْ مَضَتْ) السَّنَةُ (وَلَمْ يَطَأْ. فَلَهَا الْفَسْخُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ قَالَ: وَطِئْتُهَا وَأَنْكَرَتْ) وَطْأَهُ (وَهِيَ ثَيِّبٌ فَقَوْلُهَا إنْ ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ) قَبْلَ دَعْوَاهُ وَطْأَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ وُجُودُ مَا يَقْتَضِي الْفَسْخَ وَهُوَ ثُبُوتُ الْعُنَّةِ (وَإِلَّا) تَثْبُتْ عُنَّتُهُ قَبْلَ دَعْوَاهُ وَطْأَهَا. (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ (وَإِنْ كَانَتْ) مُدَّعِيَةً عُنَّتَهُ (بِكْرًا وَثَبَتَتْ عُنَّتُهُ وَبَكَارَتُهَا أُجِّلَ) سَنَةً كَامِلَةً كَمَا لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْعُذْرَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُهَا (وَعَلَيْهَا الْيَمِينُ إنْ قَالَ) زَوْجُهَا (أَزَلْتُهَا) أَيْ الْبَكَارَةَ (وَعَادَتْ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ (وَإِنْ أُشْهِدَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ (بِزَوَالِهَا) أَيْ الْبَكَارَةِ (لَمْ يُؤَجَّلْ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْعِنِّينِ لِتَبَيُّنِ كَذِبِهَا لِثُبُوتِ زَوَالِ بَكَارَتِهَا. (وَحَلَفَ) لُزُومًا (إنْ قَالَتْ زَالَتْ) بَكَارَتُهَا (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ وَطْئِهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهَا (وَكَذَا) لَا يُؤَجَّلُ (إنْ لَمْ تَثْبُتْ عُنَّتُهُ) (وَادَّعَاهُ) أَيْ الْوَطْءَ وَلَوْ مَعَ دَعْوَاهَا الْبَكَارَةَ وَلَمْ تَثْبُتْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الرِّجَالِ السَّلَامَةُ وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ لِقَطْعِ دَعْوَاهَا فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ (وَمَتَى اعْتَرَفَتْ بِوَطْئِهِ) أَيْ زَوْجِهَا (فِي قُبُلٍ) لَهَا (بِنِكَاحٍ تَرَفُّعًا فِيهِ وَلَوْ) قَالَتْ وَطِئَنِي (مَرَّةً) وَاحِدَةً (أَوْ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ رِدَّةٍ وَنَحْوِهِ) كَصَوْمٍ وَاجِبٍ. (وَلَوْ) كَانَ إقْرَارُهَا بِالْوَطْءِ (بَعْدَ ثُبُوتِ عُنَّتِهِ فَقَدْ زَالَتْ) عُنَّتُهُ لِإِقْرَارِهَا بِمَا يَتَضَمَّنُ زَوَالَهَا وَهُوَ الْوَطْءُ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ إقْرَارُهَا بِالْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ قَبْلَ ثُبُوتِ عُنَّتِهِ (فَلَيْسَ بِعِنِّينٍ) لِاعْتِرَافِهَا بِمَا يُنَافِي دَعْوَاهَا، وَلِأَنَّ حُقُوقَ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ اسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ تَثْبُتُ بِالْوَطْءِ مَرَّةً وَقَدْ وُجِدَ (وَلَا تَزُولُ. عُنَّةٌ بِوَطْءِ غَيْرِ مُدَّعِيَةٍ) وَلَوْ فِي قُبُلٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ كُلِّ امْرَأَةٍ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهَا، وَلِأَنَّ الْفَسْخَ بِدَفْعِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِعَجْزِهِ عَنْ وَطْئِهَا وَهُوَ لَا يَزُولُ بِوَطْءِ غَيْرِهَا (أَوْ) أَيْ وَلَا تَزُولُ عُنَّةٌ بِوَطْءِ مُدَّعِيَةٍ (فِي دُبُرٍ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْوَطْءِ أَشْبَهَ الْوَطْءَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَلِذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إحْصَانٌ وَلَا إحْلَالٌ لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا. (وَمَجْنُونٌ ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ كَعَاقِلٍ فِي ضَرْبِ الْمُدَّةِ) لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْفَسْخِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِالْعَجْزِ عَنْ الْوَطْءِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمَجْنُونُ وَغَيْرُهُ فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ عُنَّتُهُ لَمْ تُضْرَبْ لَهُ مُدَّةٌ. (وَمَنْ حَدَثَ بِهَا جُنُونٌ فِيهَا) أَيْ الْمُدَّةِ الَّتِي ضُرِبَتْ لِزَوْجِهَا الْعِنِّينِ (حَتَّى انْتَهَتْ) الْمُدَّةِ (وَلَمْ يَطَأْ فَلِوَلِيِّهَا) أَيْ الْمَجْنُونَةِ (الْفَسْخُ) لِتَعَذُّرِهِ مِنْ جِهَتِهَا وَتَحَقُّقِ احْتِيَاجِهَا لِلْوَطْءِ بِدَلِيلِ طَلَبِهَا قَبْلَ جُنُونِهَا (وَيَسْقُطُ حَقُّ زَوْجَةِ عِنِّينٍ وَ) زَوْجَةِ (مَقْطُوعٍ بَعْضُ ذَكَرِهِ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ) مِنْ سَلِيمِهَا كَسَائِرِ أَحْكَامِ الْوَطْءِ (أَوْ) تَغْيِيبِ (قَدْرِهَا) أَيْ الْحَشَفَةِ مِنْ مَقْطُوعِهَا لِيَكُونَ مَا يَجْزِي مِنْ الْمَقْطُوعِ مِثْلَ مَا يَجْزِي مِنْ الصَّحِيحِ. (وَقِسْمٌ) مِنْ الْعُيُوبِ يَخْتَصُّ (بِالْمَرْأَةِ) وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ (وَهُوَ كَوْنُ فَرْجِهَا مَسْدُودًا لَا يَسْلُكُهُ ذَكَرٌ فَإِنْ كَانَ) ذَلِكَ (بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَ) هِيَ (رَتْقَاءُ) بِالْمَدِّ فَالرَّتْقُ تَلَاحُمُ الشُّفْرَيْنِ خِلْقَةً (وَإِلَّا) يَكُنْ ذَلِكَ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ (فَ) هِيَ (قَرْنَاءُ وَعَفْلَاءُ) وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالْخِرَقِيِّ أَنَّ الْقَرْنَ وَالْعَفَلَ فِي الْعُيُوبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ الْقَرْنَاءُ مَنْ نَبَتَ فِي فَرْجِهَا لَحْمٌ زَائِدٌ فَسَدَّهُ، وَالْعَفَلُ وَرَمٌ يَكُونُ فِي اللُّجْنَةِ الَّتِي بَيْنَ مَسْلَكَيْ الْمَرْأَةِ فَيَضِيقُ مِنْهُ فَرْجُهَا فَلَا يَنْفُذُ فِيهِ الذَّكَرُ حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَقِيلَ الْقَرْنُ عَظْمٌ وَالْعَفَلُ رَغْوَةٌ فِيهِ تَمْنَعُ لَذَّةَ الْوَطْءِ وَيَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ عَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ (أَوْ بِهِ) أَيْ الْفَرْجِ (بَخَرٌ) أَيْ نَتْنٌ يَثُورُ عِنْدَ الْوَطْءِ (أَوْ) بِالْفَرْجِ (قُرُوحٌ سَائِلَةٌ أَوْ كَوْنُهَا فَتْقَاءَ بِانْخِرَاقِ مَا بَيْنَ سَبِيلَيْهَا أَوْ) بِانْخِرَاقِ (مَا بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَمَنِيٍّ أَوْ) كَوْنُهَا (مُسْتَحَاضَةً) فَيَثْبُتُ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ بِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَقِسْمٌ مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ (وَهُوَ الْجُنُونُ وَلَوْ كَانَ) يَخْنِقُ (أَحْيَانًا) وَإِنْ زَالَ الْعَقْلُ بِمَرَضٍ فَإِغْمَاءٍ لَا خِيَارَ بِهِ فَإِنْ زَالَ الْمَرَضُ وَدَامَ فَجُنُونٌ (وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَبَخَرُ فَمٍ) أَيْ نَتْنُهُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُسْتَعْمَلُ لَهُ السِّوَاكُ وَيَأْخُذُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَرَقَةَ آسٍ مَعَ زَبِيبٍ مَنْزُوعِ الْعَجَمِ بِقَدْرِ الْجَوْزَةِ، وَاسْتِعْمَالُ الْكُرْسُفِ وَمَضْغُ النَّعْنَاعِ جَيِّدٌ فِيهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالدَّوَاءُ الْقَوِيُّ لِعِلَاجِهِ أَنْ يَتَغَرْغَرَ بِالصَّبْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى الرِّيقِ وَوَسَطِ النَّهَارِ وَعِنْدَ النَّوْمِ وَيَتَمَضْمَضُ بِالْخَرْدَلِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً أُخَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ فَمُهُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ وَإِمْسَاكُ الذَّهَبِ فِي الْفَمِ يُزِيلُ الْبَخَرِ (وَاسْتِطْلَاقُ بَوْلٍ وَ) اسْتِطْلَاقُ (نَجْوٌ) أَيْ غَائِطٍ (وَبَاسُورٌ وَنَاصُورٌ) دَاءَانِ بِالْمَقْعَدَةِ مَعْرُوفَانِ (وَقَرَعُ رَأْسٍ وَلَهُ رِيحٌ مُنْكَرَةٌ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِيحٌ كَذَلِكَ فَلَا فَسْخَ بِهِ (وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا خُنْثَى) غَيْرَ مُشْكِلٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْكِلَ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ وَتَقَدَّمَ (فَيُفْسَخُ بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ) لِمَا فِيهِ مِنْ النُّفْرَةِ أَوْ النَّقْصِ أَوْ خَوْفِ تَعَدِّي أَذَاهُ أَوْ تَعَدِّي نَجَاسَتِهِ (وَلَوْ حَدَثَ) ذَلِكَ (بَعْدَ دُخُولٍ)؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي النِّكَاحِ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ مُقَارِنًا فَأَثْبَتَهُ طَارِئًا كَالْإِعْسَارِ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَحُدُوثُ الْعَيْبِ بِهَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَالْإِجَارَةِ (أَوْ). أَيْ وَلَوْ (كَانَ بِالْفَاسِخِ عَيْبٌ مِثْلُهُ) أَيْ الْعَيْبِ الَّذِي فَسَخَ بِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ كَمَا لَوْ غُرَّ عَبْدٌ بِأَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْنَفُ مِنْ عَيْبِ غَيْرِهِ وَلَا يَأْنَفُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ (أَوْ) كَانَ بِالْفَاسِخِ عَيْبٌ (مُغَايِرٌ لَهُ) أَيْ الْعَيْبِ الَّذِي فَسَخَ بِهِ كَالْأَجْذَمِ يَجِدُ الْمَرْأَةَ. بَرْصَاءَ وَنَحْوِهِ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ لِوُجُودِ سَبَبِهِ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ إلَّا أَنْ يَجِدَ الْمَجْبُوبُ الْمَرْأَةَ رَتْقَاءَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لِأَحَدِهِمَا خِيَارٌ؛ لِأَنَّ عَيْبَهُ لَيْسَ هُوَ الْمَانِعُ لِصَاحِبِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِعَيْبِ نَفْسِهِ و(لَا) يَثْبُتُ خِيَارٌ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ) مِنْ الْعُيُوبِ (كَعَوَرٍ وَعَرَجٍ وَقَطْعِ يَدٍ وَ) قَطْعِ (رِجْلٍ وَعَمًى وَخَرَسٍ وَطَرَشٍ) وَقَرَعٍ لَا رِيحَ لَهُ (وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا عَقِيمًا أَوْ نِضْوًا) أَيْ نَحِيفًا جِدًّا (وَنَحْوُهُ) كَسَمِينٍ جِدًّا وَكَسِيحٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ وَلَا يُخْشَى تَعَدِّيهِ.
وَلَا يَثْبُتُ خِيَارٌ فِي عَيْبٍ زَالَ بَعْدَ عَقْدٍ لِزَوَالِ سَبَبِهِ (وَلَا) خِيَارَ (لِعَالِمٍ بِهِ) أَيْ الْعَيْبِ (وَقْتَهُ) أَيْ الْعَقْدِ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ (وَهُوَ) أَيْ خِيَارُ الْعَيْبِ (عَلَى التَّرَاخِي)؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُتَحَقِّقٍ أَشْبَهَ خِيَارَ الْقِصَاصِ و(لَا يَسْقُطُ) الْفَسْخُ (فِي عُنَّةٍ إلَّا بِقَوْلِ) امْرَأَةِ الْعِنِّينِ أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْ الْخِيَارِ لِعُنَّتِهِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَطْءِ لَا يَكُونُ بِدُونِ التَّمْكِينِ فَلَمْ يَكُنْ التَّمْكِينُ دَلِيلَ الرِّضَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَوْلُ (وَيَسْقُطُ) خِيَارُهَا (بِهِ) أَيْ بِالْقَوْلِ (وَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا)؛ لِأَنَّهَا إذَا عَادَتْ عَالِمَةً بِالْعُنَّةِ فَقَدْ رَضَتْهَا فَيَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الْخِيَارِ (وَيَسْقُطُ) خِيَارٌ (فِي غَيْرِ عُنَّةٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضًا مِنْ وَطْءٍ أَوْ تَمْكِينٍ مَعَ عِلْمٍ بِهِ) أَيْ الْعَيْبِ (كَ) مَا يَسْقُطُ (بِقَوْلٍ) نَحْوُ أَسْقَطْتُ خِيَارِي كَمُشْتَرِي الْمَعِيبِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِالْقَوْلِ وَبِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِالْعَيْبِ. (وَلَوْ جُهِلَ الْحُكْمُ) أَيْ مِلْكُ الْفَسْخِ (أَوْ زَادَ) الْعَيْبُ كَأَنْ كَانَ بِهِ بَرَصٌ قَلِيلٌ فَانْبَسَطَ فِي جِلْدِهِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِهِ رِضًا بِمَا يَحْدُثُ مِنْهُ (أَوْ ظَنَّهُ) أَيْ الْعَيْبَ (يَسِيرًا فَبَانَ كَثِيرًا) كَظَنِّهِ الْبَرَصَ فِي قَلِيلٍ مِنْ جَسَدِهَا فَبَانَ فِي كَثِيرٍ مِنْهُ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا رَضِيَ بِهِ (وَلَا يَصِحُّ فَسْخُ) مَنْ لَهُ الْخِيَارُ (بِلَا) حُكْمِ (حَاكِمٍ)؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ أَشْبَهَ الْفَسْخَ لِلْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَيَفْسَخُهُ) أَيْ النِّكَاحَ الْحَاكِمُ بِطَلَبِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ (أَوْ يَرُدُّهُ) أَيْ الْفَسْخَ إلَى (مَنْ لَهُ الْخِيَارُ) فَيَفْسَخُهُ وَيَكُونُ كَحُكْمِهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ. (وَيَصِحُّ) فَسْخٌ لِعَيْبٍ (مَعَ غَيْبَةِ زَوْجٍ) كَفَسْخِ مُشْتَرٍ بَيْعًا مَعِيبًا مَعَ غَيْبَةِ بَائِعٍ (فَإِنْ فُسِخَ النِّكَاحُ) قَبْلَ دُخُولٍ (فَلَا مَهْرَ) لَهَا سَوَاءٌ كَانَ الْفَسْخُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنْ كَانَ مِنْهَا فَالْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا وَإِنْ كَانَ مِنْهُ فَإِنَّمَا فُسِخَ بِعَيْبٍ دَلَّسَتْهُ بِالْإِخْفَاءِ فَكَأَنَّهُ مِنْهَا وَلَمْ نَجْعَلْ فَسْخَهَا لِعَيْبِهِ كَأَنَّهُ مِنْهُ لِتَدْلِيسِهِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ مِنْ الزَّوْجِ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِهَا فَإِذَا اخْتَارَتْ الْفَسْخَ مَعَ سَلَامَةِ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ رَجَعَ الْعِوَضُ إلَى الْعَاقِدِ مَعَهَا وَلَيْسَ مِنْ جِهَتِهَا عِوَضٌ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا لَهَا الْخِيَارُ لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الضَّرَرِ لَا لِتَعَذُّرِ مَا اسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَتِهِ عِوَضًا، فَلَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِجَارِيَةِ آخَرَ وَجَعَلَ رَقَبَتَهُ صَدَاقًا لَهَا وَأَعْتَقَهُ مَالِكُ الْجَارِيَةِ وَظَهَرَ الْعَبْدُ عَلَى عَيْبٍ بِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَفَسَخَ رَجَعَ عَلَى مُعْتِقِهِ مَالِكِ الْجَارِيَةِ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَهْرُهَا. (وَلَهَا) أَيْ لِزَوْجَةٍ فَسَخَتْ لِعَيْبِ زَوْجِهَا أَوْ فَسَخَ هُوَ لِعَيْبِهَا (بَعْدَ دُخُولٍ أَوْ خَلْوَةٍ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُقَرِّرُ الْمَهْرَ (الْمُسَمَّى) فِي عَقْدٍ (كَمَا لَوْ طَرَأَ الْعَيْبُ) بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَيَسْتَقِرُّ بِالدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ بِحَادِثٍ بَعْدَهُ وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِرِدَّتِهَا لَا يُفْسَخُ مِنْ جِهَتِهَا. (وَيَرْجِعُ) زَوْجٌ (بِهِ) أَيْ بِنَظِيرٍ مُسَمًّى غَرِمَهُ لَا إنْ أَبْرَأَ مِنْهُ (عَلَى مُغْرٍ) لَهُ (مِنْ زَوْجَةٍ عَاقِلَةٍ وَوَلِيٍّ وَوَكِيلٍ) قَالَ أَحْمَدُ: كُنْت أَذْهَبُ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ فَهِبْتُهُ فَمِلْت إلَى قَوْلِ عُمَرَ " إذَا تَزَوَّجَهَا فَرَأَى جُذَامًا أَوْ بَرَصًا فَإِنَّ لَهَا صَدَاقَهَا بِمَسِيسِهِ إيَّاهَا وَوَلِيُّهَا ضَامِنٌ لِلصَّدَاقِ " أَيْ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِمَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ فِي النِّكَاحِ فَكَانَ الْمَهْرُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غَرَّهُ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ. فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ عَلِمَ غَرِمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ فَالتَّغْرِيرُ مِنْ الْمَرْأَةِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ (وَيُقْبَلُ قَوْلُ وَلِيٍّ وَلَوْ مَحْرَمًا) كَأَبِيهَا وَأَخِيهَا وَعَمِّهَا وَكَذَا وَكِيلُهَا (فِي عَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ) أَيْ الْعَيْبِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ بِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّغْرِيرَ مِنْ غَيْرِهِ وَكَذَا هِيَ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي عَدَمِ عِلْمِهَا إنْ اُحْتُمِلَ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. (فَلَوْ وُجِدَ) التَّغْرِيرُ (مِنْ زَوْجَةٍ وَوَلِيٍّ فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ)؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَمِنْ الْمَرْأَةِ الْوَكِيلُ وَالضَّمَانُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ (وَمِثْلُهَا) أَيْ مَسْأَلَةُ مَا إذَا غُرَّ الزَّوْجُ بِمُعَيَّنَةٍ (فِي رُجُوعٍ عَلَى غَارٍّ لَوْ زُوِّجَ) رَجُلٌ (امْرَأَةً) مُعَيَّنَةً (فَأَدْخَلُوا عَلَيْهِ غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ زَوْجَتِهِ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ بِإِدْخَالِهَا عَلَيْهِ. (وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ) إنْ حَمَلَتْ نَصًّا لِلشُّبْهَةِ وَتُجَهَّزُ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِالْمَهْرِ الْأَوَّلِ نَصًّا (وَإِنْ طَلُقَتْ) الْمَعِيبَةُ (قَبْلَ دُخُولٍ) بِهَا وَقَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْتِزَامِهِ بِطَلَاقِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَحَدٍ (أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَعَ عَيْبِهِمَا أَوْ عَيْبِ أَحَدِهِمَا (قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ) أَيْ الْعَيْبِ (فَلَا رُجُوعَ) بِالصَّدَاقِ الْمُسْتَقِرِّ بِالْمَوْتِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ الْفَسْخُ وَلَمْ يُوجَدْ.
وَلَيْسَ لِوَلِيِّ صَغِيرٍ أَوْ صَغِيرَةٍ أَوْ وَلِيِّ (مَجْنُونٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ أَوْ سَيِّدِ أَمَةٍ تَزْوِيجُهُمْ بِمَعِيبٍ) مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ عَيْبًا (يُرَدُّ بِهِ) فِي النِّكَاحِ لِوُجُوبِ نَظَرِهِ لَهُمْ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ وَالْمَصْلَحَةُ وَانْتِفَاءُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْعَقْدِ (وَلَا لِوَلِيِّ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ تَزْوِيجُهَا بِهِ) أَيْ بِمَعِيبٍ يُرَدُّ بِهِ (بِلَا رِضَاهَا) قَالَ فِي الشَّرْحِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (فَلَوْ فَعَلَ) وَلِيُّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَالْمُكَلَّفَةِ أَوْ سَيِّدُ الْأَمَةِ أَوْ وَلِيُّ الْمُكَلَّفَةِ بِلَا رِضَاهَا بِأَنْ زَوَّجَ بِمَعِيبٍ يُرَدُّ بِهِ (لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ (إنْ عُلِمَ الْعَيْبُ)؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ لَهُمْ عَقْدًا لَا يَجُوزُ عَقْدُهُ كَمَا لَوْ بَاعَ عَقَارًا لِمَنْ فِي حَجْرِهِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ (وَأَلَّا) يَعْلَمَ الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَعِيبٌ (صَحَّ) الْعَقْدُ (وَلَهُ الْفَسْخُ إذَا عَلِمَ) الْعَيْبَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى لَهُ مَعِيبًا. وَفِي الْإِقْنَاعِ تَبَعًا لِلْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَشَرْحِ الْوَجِيزِ لِلزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهَا يَجِبُ الْفَسْخُ عَلَى وَلِيِّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَالْمُكَلَّفَةِ وَسَيِّدِ الْأَمَةِ. (وَإِنْ اخْتَارَتْ مُكَلَّفَةٌ) أَنْ تَتَزَوَّجَ (مَجْبُوبًا) أَيْ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ (أَوْ) أَنْ تَتَزَوَّجَ (عِنِّينًا لَمْ تُمْنَعْ) أَيْ لَمْ يَمْنَعْهَا وَلِيُّهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْوَطْءِ لَهَا دُونَهُ. (وَ) إنْ اخْتَارَتْ مُكَلَّفَةٌ أَنْ تَتَزَوَّجَ (مَجْنُونًا أَوْ مَجْذُومًا أَوْ أَبْرَصَ فَلِوَلِيِّهَا الْعَاقِدِ مَنْعُهَا) مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ عَارًا عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِهَا وَضَرَرًا يُخْشَى تَعَدِّيهِ إلَى الْوَلَدِ كَمَنْعِهَا مِنْ تَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ (وَإِنْ عَلِمَتْ الْعَيْبَ بَعْدَ عَقْدٍ) لَمْ تُجْبَرْ عَلَى الْفَسْخِ (أَوْ حَدَثَ) الْعَيْبُ (بِهِ) أَيْ الزَّوْجِ بَعْدَ عَقْدٍ (لَمْ تُجْبَرْ) مِنْ وَلِيِّهَا وَلَا غَيْرِهِ (عَلَى الْفَسْخِ)؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَلِيِّ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لَا دَوَامِهِ وَلِهَذَا لَوْ دَعَتْ وَلِيَّهَا إلَى تَزْوِيجِهَا بِعَبْدٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهَا وَلَوْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ لَمْ يَمْلِكْ إجْبَارَهَا عَلَى الْفَسْخِ.
أَيْ بَيَانُ حُكْمِهِ وَمَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ لَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا أَوْ أَسْلَمُوا (وَهُوَ) صَحِيحٌ وَحُكْمُهُ (كَنِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ يَجِبُ بِهِ) مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ وَالْإِبَاحَةِ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا وَالْإِحْصَانِ، وَدَلِيلُ صِحَّتِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} {امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} فَأَضَافَ النِّسَاءَ إلَيْهِمْ وَحَقِيقَةُ الْإِضَافَةِ تَقْتَضِي زَوْجِيَّةً صَحِيحَةً {وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ} وَإِذَا ثَبَتَتْ الصِّحَّةُ ثَبَتَتْ أَحْكَامُهَا كَأَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْهَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ كَطَلَاقِ الْمُسْلِمِ. (وَ) فِي (تَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ) فَلَوْ طَلَّقَ كَافِرٌ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ وَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ يُقَرَّا عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ ثُمَّ أَسْلَمَا فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا وَإِنْ نَكَحَ كِتَابِيٌّ كِتَابِيَّةً وَوَطِئَهَا حَلَّتْ لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا بِشَرْطِهِ مُسْلِمًا كَانَ الْمُطَلِّقُ أَوْ كَافِرًا. وَإِنْ ظَاهَرَ كَافِرٌ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ بِشَرْطِهِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ فِي النِّكَاحِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَيُقَرُّونَ) أَيْ الْكُفَّارُ عَلَى أَنْكِحَةٍ مُحَرَّمَةٍ مَا اعْتَقَدُوا حِلَّهَا أَيْ إبَاحَتَهَا؛ لِأَنَّ مَا لَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ لَيْسَ مِنْ دِينِهِمْ فَلَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَلَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ...} الْآيَةَ فَدَلَّ أَنَّهُمْ يُحَلُّونَ وَأَحْكَامُهُمْ إنْ لَمْ يَجِيئُوا إلَيْنَا وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَلَمْ يَعْتَرِضْهُمْ فِي أَنْكِحَتِهِمْ مَعَ. عِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَسْتَبِيحُونَ نِكَاحَ مَحَارِمِهِمْ. (فَإِنْ أَتَوْنَا) أَيْ الْكُفَّارُ (قَبْلَ عَقْدِهِ) أَيْ النِّكَاحِ بَيْنَهُمْ (عَقَدْنَاهُ عَلَى حُكْمِنَا) أَيْ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ مِنَّا كَأَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ حَكَمَتْ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى عَقْدٍ يُخَالِفُ ذَلِكَ (وَإِنْ أَتَوْنَا بَعْدَهُ) أَيْ الْعَقْدِ فِيمَا بَيْنَهُمْ (أَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ) عَلَى نِكَاحٍ لَمْ نَتَعَرَّضْ لِكَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ مِنْ وُجُوبِ صِيغَتِهِ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ شُهُودٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَا مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ أَنَّ لَهُمَا الْمُقَامَ عَلَى نِكَاحِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ أَوْ رَضَاعٌ {وَقَدْ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرُونَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْلَمَ نِسَاؤُهُمْ فَأُقِرُّوا عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ وَلَا كَيْفِيَّتِهِ} (فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُبَاحُ) لِلزَّوْجِ (إذًا) أَيْ حَالَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ (كَعَقْدٍ فِي عِدَّةٍ فَرَغَتْ) نَصًّا. (أَوْ) عَقْدٍ (عَلَى أُخْتِ زَوْجَةٍ مَاتَتْ أَوْ بِلَا شُهُودٍ أَوْ) بِلَا (وَلِيٍّ أَوْ) بِلَا (صِيغَةٍ أُقِرَّا) عَلَى نِكَاحِهِمَا لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ إذْنٌ لَا مَانِعَ مِنْهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ اسْتِدَامَتِهِ بِالْأَوْلَى. (وَإِنْ حَرُمَ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (الْآنَ) أَيْ وَقْتَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ (كَذَاتِ مَحْرَمٍ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (أَوْ مُصَاهَرَةٍ أَوْ مُزَوَّجَةٍ فِي عِدَّةٍ) مِنْ غَيْرِهِ (لَمْ تَفْرُغْ) إلَى التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ. (أَوْ) كَانَتْ (حُبْلَى) حِينَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِهِ (لَوْ) كَانَ الْحَمْلُ (مِنْ زِنًا أَوْ) كَانَ النِّكَاحُ (شَرَطَا الْخِيَارَ فِيهِ مُطْلَقًا) أَيْ لَمْ يُقَيَّدْ بِمُدَّةٍ (أَوْ) شُرِطَ الْخِيَارُ فِيهِ (بِمُدَّةٍ. لَمْ تَمْضِ) عِنْدَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ مُسْلِمٍ النِّكَاحُ كَذَلِكَ كَمَا فِي التَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ مِنْ مُسْلِمٍ فَهُنَا أَوْلَى (أَوْ اسْتَدَامَ نِكَاحُ مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا وَلَوْ مُعْتَقِدًا حِلَّهَا) مَعَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا)؛ لِأَنَّهُ حَالٌ يَمْنَعُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَمَنَعَ مِنْ اسْتِدَامَتِهِ كَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَلِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ اللُّزُومَ، وَالْمَشْرُوطُ فِيهِ الْخِيَارُ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ لُزُومَهُ لِجَوَازِ فَسْخِهِ فَلَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ جَوَازِ ابْتِدَائِهِ كَذَلِكَ إنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ وَطِئَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً وَاعْتَقَدَاهُ نِكَاحًا أُقِرَّا) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ لِكَيْفِيَّةِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمْ (وَإِلَّا) يَكُونَا حَرْبِيَّيْنِ أَوْ كَانَا وَلَمْ يَعْتَقِدَاهُ نِكَاحًا (فَلَا) يُقَرَّانِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ عِنْدَهُمَا. (وَمَتَى صَحَّ) الْمَهْرُ (الْمُسَمَّى) فِي نِكَاحٍ يُقَرَّانِ عَلَيْهِ (أَخَذَتْهُ) دُونَ غَيْرِهِ لِوُجُوبِهِ، وَصِحَّةُ النِّكَاحِ وَالتَّسْمِيَةُ كَتَسْمِيَةِ الْمُسْلِمِ (وَإِنْ قَبَضَتْ) الْمُسَمَّى (الْفَاسِدَ) كَخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ (كُلَّهُ اسْتَقَرَّ) لِتَقَابُضِهِمَا بِحُكْمِ الشِّرْكِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ كَمَا لَوْ تَبَايَعَا بَيْعًا فَاسِدًا وَتَقَابَضَاهُ وَالتَّعَرُّضُ لِإِبْطَالِ الْمَقْبُوضِ يَشُقُّ لِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ وَكَثْرَةِ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي الْحَرَامِ وَفِيهِ تَنْفِيرٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا عُفِيَ عَمَّا تَرَكُوهُ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ. وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَخْذِ نِصْفِهِ سَقَطَ قِيَاسًا عَلَى قَرْضِ الْخَمْرِ ثُمَّ يُسْلِمُ أَحَدُهُمْ (وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ) مِنْ الْفَاسِدِ بِلَا قَبْضٍ (وَجَبَ قِسْطُهُ) أَيْ الْبَاقِي (مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ) فَلَوْ سَمَّى لَهَا عَشَرَةَ خَنَازِيرَ فَقَبَضَتْ. خَمْسَةً ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا وَجَبَ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَيُعْتَبَرُ) الْقِسْطُ (فِيمَا يَدْخُلُهُ كَيْلٌ) بِالْكَيْلِ (أَوْ) مَا يَدْخُلُهُ (وَزْنٌ) بِالْوَزْنِ (أَوْ) مَا يَدْخُلُهُ (عَدٌّ بِهِ) أَيْ الْعَدِّ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ يُقَسَّطُ عَلَيْهَا فَاسْتَوَى كَبِيرُهُ وَصَغِيرُهُ. (وَلَوْ أَسْلَمَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (فَانْقَلَبَتْ خَمْرًا) أَصْدَقَهَا إيَّاهَا (خَلًّا ثُمَّ طَلَّقَ وَلَمْ يَدْخُلْ) بِالزَّوْجَةِ (رَجَعَ بِنِصْفِهِ) أَيْ الْخَلِّ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ مَا أَصْدَقَهَا انْقَلَبَتْ صِفَتُهُ (وَلَوْ تَلِفَ الْخَلُّ) الْمُنْقَلِبُ عَنْ خَمْرٍ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا (قَبْلَ طَلَاقِهِ رَجَعَ) إنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ (بِنِصْفِ مِثْلِهِ)؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ (وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ شَيْئًا) مِمَّا سُمِّيَ لَهَا مِنْ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا أَسْلَمَتْ أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يَجُوزُ إيجَابُهُ فِي الْحُكْمِ وَلَا يَكُونُ صَدَاقًا لِمُسْلِمَةٍ وَلَا فِي نِكَاحِ مُسْلِمٍ فَيَبْطُلُ وَيَرْجِعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ (أَوْ) لَمْ (يُسَمِّ) لَهَا (مَهْرًا) فِي نِكَاحِهَا (فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا)؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ خَلَا عَنْ تَسْمِيَةٍ فَوَجَبَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ كَالْمُسْلِمَةِ؛ لِئَلَّا تَصِيرَ كَالْمَوْهُوبَةِ.
وَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ مَعًا بِأَنْ تَلَفَّظَا بِالْإِسْلَامِ دَفْعَةً وَاحِدَةً قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَدْخُلُ فِيهِ لَوْ شَرَعَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ الْأَوَّلُ فِعْلُ نِكَاحِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافُ دِينٍ وَلِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنَّ رَجُلًا جَاءَ مُسْلِمًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَتْ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً بَعْدَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا كَانَتْ أَسْلَمَتْ مَعِي فَرَدَّهَا عَلَيْهِ}. (أَوْ) أَسْلَمَ (زَوْجُ كِتَابِيَّةٍ) كِتَابِيًّا كَانَ أَوْ لَا (فَ) هُمَا (عَلَى نِكَاحِهِمَا) وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ فَاسْتِدَامَتُهُ أَوْلَى (وَإِنْ أَسْلَمَتْ كِتَابِيَّةٌ تَحْتَ كَافِرٍ) كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ الْفَسْخِ النِّكَاحَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِكَافِرٍ ابْتِدَاءُ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ (أَوْ) أَسْلَمَ (أَحَدُ) زَوْجَيْنِ (غَيْرِ كِتَابِيَّيْنِ قَبْلَ دُخُولٍ انْفَسَخَ) نِكَاحُهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} وَقَوْلِهِ: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الدِّينِ سَبَبٌ لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَمَقْصُودُ النِّكَاحِ الِاتِّفَاقُ وَالِائْتِلَافُ. (وَلَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ أَسْلَمَ) الزَّوْجُ (فَقَطْ) أَيْ دُونَهَا لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهِ بِإِسْلَامِهِ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا، لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمَهْرُ خَمْرًا أَوْ نَحْوَهُ وَقَبَضَتْهُ فَلَا رُجُوعَ بِنِصْفِهِ وَلَا يُبَدِّلُهُ إذًا كَقَرْضِ خَمْرٍ ثُمَّ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا (أَوْ) أَيْ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ (أَسْلَمَا وَادَّعَتْ سَبْقَهُ) لَهَا بِإِسْلَامِهِ وَقَالَ الزَّوْجُ: بَلْ هِيَ السَّابِقَةُ فَتَحْلِفُ أَنَّهُ السَّابِقُ بِالْإِسْلَامِ وَتَأْخُذُ نِصْفَ الْمَهْرِ لِثُبُوتِ الْمَهْرِ فِي ذِمَّتِهِ إلَى حِينِ الْفُرْقَةِ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ بِسُقُوطِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ خِلَافُهُ. (أَوْ) أَيْ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ (قَالَا) أَيْ الزَّوْجَانِ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا (سَبَقَ) بِالْإِسْلَامِ (أَحَدُنَا وَلَا نَعْلَمُ عَيْنَهُ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فِي ذِمَّتِهِ وَالْمُسْقِطُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. (وَإِنْ قَالَ) الزَّوْجُ (أَسْلَمْنَا مَعًا فَنَحْنُ عَلَى النِّكَاحِ فَأَنْكَرَتْهُ) الزَّوْجَةُ فَقَالَتْ سَبَقَ أَحَدُنَا فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهَا)؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ لِبُعْدِ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ دَفْعَةً وَاحِدَةً (وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّيْنِ أَوْ أَسْلَمَتْ كِتَابِيَّةٌ تَحْتَ كَافِرٍ (بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) لِحَدِيثِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ {: كَانَ بَيْنَ إسْلَامِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَتِهِ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَبَقِيَ صَفْوَانُ حَتَّى شَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَمْ يُفَرِّقْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ}. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: شُهْرَةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ إسْنَادِهِ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْلِمُ الرَّجُلُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ قَبْلَ الرَّجُلِ فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمَرْأَةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَتَتَعَجَّلُ الْبَيْنُونَةَ كَالْمُطَلَّقَةِ. (وَإِنْ أَسْلَمَ الثَّانِي) أَيْ الْمُتَأَخِّرُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (فَ) هُمَا (عَلَى نِكَاحِهِمَا) لِمَا سَبَقَ. (وَإِلَّا) يُسْلِمْ الثَّانِي قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (تَبَيَّنَّا فَسْخَهُ) أَيْ النِّكَاحِ (مُنْذُ أَسْلَمَ الْأَوَّلُ) مِنْهُمَا لِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَلَا تَحْتَاجُ لِعِدَّةٍ ثَانِيَةٍ فَلَوْ وَطِئَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَقَدْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا (وَلَمْ يُسْلِمْ الثَّانِي فِيهَا) أَيْ الْعِدَّةِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِيهَا (فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ. الْبَيْنُونَةِ (وَإِنْ أَسْلَمَ) الثَّانِي قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَبَعْدَ الْوَطْءِ (فَلَا) مَهْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا فِي نِكَاحِهِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَإِبْقَاءِ نِكَاحِهَا بِإِسْلَامِهِ فِي عِدَّتِهَا أَشْبَهَتْ الرَّجْعِيَّةَ لِإِمْكَانِ تَلَافِيهِ نِكَاحَهَا بِإِسْلَامِهِ (وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا فَلَا) نَفَقَةَ لَهَا لِلْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ لِتَلَافِي نِكَاحِهَا فَأَشْبَهَتْ الْبَائِنَ وَسَوَاءٌ أَسْلَمَتْ بَعْدُ أَوْ لَمْ تُسْلِمْ لَكِنْ إنْ كَانَتْ حَامِلًا وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ كَالْبَائِنِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (فِي السَّابِقِ) مِنْهُمَا بِالْإِسْلَامِ بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ: أَسْلَمْتُ قَبْلَكِ فَلَا نَفَقَةَ لَكِ، وَقَالَتْ: بَلْ أَسْلَمْتُ قَبْلَهُ فَلِيَ النَّفَقَةُ، فَقَوْلُهَا وَلَهَا النَّفَقَةُ (أَوْ جُهِلَ الْأَمْرُ) بِأَنْ جُهِلَ السَّبْقُ أَوْ عُلِمَ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا (فَقَوْلُهَا) فِي السَّبْقِ (وَلَهَا النَّفَقَةُ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُهَا وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَأَخُّرِ إسْلَامِهَا وَقَالَتْ: أَسْلَمْتُ فِي الْعِدَّةِ. وَقَالَ: بَلْ بَعْدَهَا فَقَوْلُهُ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِفَسْخِ النِّكَاحِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إسْلَامِهَا فِي الْعِدَّةِ وَكَذَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عَكْسِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَسْلَمْتُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ مِنْ إسْلَامِي فَلَا نَفَقَةَ لَك فِيهِمَا، وَقَالَتْ: بَعْدَ شَهْرٍ، فَقَوْلُهُ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ (وَيَجِبُ الصَّدَاقُ بِكُلِّ حَالٍ) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ وَسَوَاءٌ كَانَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْآخَرُ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ أَسْلَمَتْ بِمَكَّةَ وَزَوْجُهَا عِكْرِمَةُ قَدْ هَرَبَ إلَى الْيَمَنِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأُقِرَّا عَلَى النِّكَاحِ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّارِ وَالدِّينِ فَلَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ كِتَابِيَّةً بِدَارِ الْحَرْبِ صَحَّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}. (وَمَنْ هَاجَرَ إلَيْنَا بِذِمَّةٍ مُؤَبَّدَةٍ) مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَالْآخَرُ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَنْفَسِخْ (أَوْ) هَاجَرَ إلَيْنَا الزَّوْجُ (مُسْلِمًا أَوْ) هَاجَرَتْ إلَيْنَا الزَّوْجَةُ (مُسْلِمَةً وَالْآخَرُ) مِنْهُمَا (بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَنْفَسِخْ) نِكَاحُهُمَا بِالْهِجْرَةِ لِمَا تَقَدَّمَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ.
وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَتَحْتُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمْنَ فِي عِدَّتِهِنَّ (أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ) أَوْ كَانَ بَعْضُهُنَّ كِتَابِيَّاتٍ وَبَعْضُهُنَّ غَيْرَهُنَّ فَأَسْلَمْنَ فِي عِدَّتِهِنَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ إمْسَاكُهُنَّ كُلِّهِنَّ بِغَيْرِ خِلَافٍ (اخْتَارَ وَلَوْ) كَانَ (مُحَرَّمًا أَرْبَعًا مِنْهُنَّ وَلَوْ مِنْ مَيِّتَاتٍ)؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ وَتَعْيِينٌ لِلْمَنْكُوحَةِ فَصَحَّ مِنْ الْمُحَرَّمِ بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَالِاعْتِبَارُ فِي الِاخْتِيَارِ بِوَقْتِ ثُبُوتِهِ فَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْمَيِّتَاتِ؛ لِأَنَّهُنَّ كُنَّ أَحْيَاءَ وَقْتَهُ (إنْ كَانَ) الزَّوْجُ (مُكَلَّفًا وَإِلَّا) يَكُنْ الزَّوْجُ مُكَلَّفًا (وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يُكَلَّفَ) فَيَخْتَارَ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا حُكْمَ لَهُ لِقَوْلِهِ وَلَا يَخْتَارُ عَنْهُ وَلِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِالشَّهْوَةِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ فِيهِ مَقَامَهُ وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ أَوْ عُقُودٍ وَسَوَاءٌ اخْتَارَ الْأَوَائِلَ أَوْ الْأَوَاخِرَ نَصًّا، لِمَا رَوَى قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ {أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوَيْد الثَّقَفِيِّ {أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا (وَيَعْتَزِلُ) وُجُوبًا (الْمُخْتَارَاتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ) إنْ كَانَتْ الْمُفَارَقَاتُ أَرْبَعًا فَأَكْثَرَ وَإِلَّا اعْتَزَلَ مِنْ الْمُخْتَارَاتِ بِعَدَدِهِنَّ؛ لِئَلَّا يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَإِنْ كُنَّ خَمْسًا فَفَارَقَ إحْدَاهُنَّ فَلَهُ وَطْءُ ثَلَاثٍ مِنْ الْمُخْتَارَاتِ وَلَا يَطَأُ الرَّابِعَةَ حَتَّى. تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَةِ، وَإِنْ كُنَّ سِتًّا وَفَارَقَ اثْنَتَيْنِ اعْتَزَلَ اثْنَتَيْنِ مِنْ الْمُخْتَارَاتِ، وَإِنْ كُنَّ سَبْعًا فَفَارَقَ ثَلَاثًا اعْتَزَلَ مِنْ الْمُخْتَارَاتِ ثَلَاثًا، وَإِنْ كُنَّ ثَمَانِيًا اعْتَزَلَ الْمُخْتَارَاتِ، وَكُلَّمَا انْقَضَتْ عِدَّةُ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُفَارَقَات فَلَهُ وَطْءُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُخْتَارَاتِ. وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فَدَخَلَ بِهِمَا ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَسْلَمَتَا فِي الْعِدَّةِ فَاخْتَارَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ أُخْتِهَا؛ لِئَلَّا يَطَأَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا. (وَأَوَّلُهَا) أَيْ الْعِدَّةِ (مِنْ حِينِ اخْتَارَهُ) لِلْمُخْتَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ فُرْقَةِ الْمُفَارَقَاتِ (أَوْ يَمُتْنَ) عُطِفَ عَلَى تَنْقَضِيَ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَزِلَ الْمُخْتَارَاتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ أَوْ يَمُتْنَ. (وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْضُهُنَّ) أَيْ الزَّوْجَاتِ الزَّائِدَاتُ عَلَى أَرْبَعٍ (وَلَيْسَ الْبَاقِي) أَيْ الْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْهُنَّ (كِتَابِيَّاتٌ مَلَكَ إمْسَاكًا وَفَسْخًا فِي مُسْلِمَةٍ) مِنْ الزَّوْجَاتِ إنْ زِدْنَ عَلَى أَرْبَعٍ (خَاصَّةً) فَلَا يَخْتَارُ مِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْنَ (وَلَهُ) أَيْ لِمَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ فَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ خَمْسٌ فَأَكْثَرُ (تَعْجِيلُ إمْسَاكٍ مُطْلَقًا) بِأَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا مِمَّنْ أَسْلَمَ. (وَ) لَهُ (تَأْخِيرُهُ) أَيْ الِاخْتِيَارِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْبَقِيَّةِ أَوْ يُسْلِمْنَ) فَإِنْ مَاتَ اللَّاتِي أَسْلَمْنَ ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَاقِيَاتُ فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ وَمِنْ الْمَيِّتَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَصْحِيحٌ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ فِيهِنَّ (فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْنَ) أَيْ الْبَاقِيَاتُ (أَوْ أَسْلَمْنَ وَقَدْ اخْتَارَ أَرْبَعًا) مِمَّنْ أَسْلَمْنَ أَوَّلًا (فَعِدَّتُهُنَّ مُنْذُ أَسْلَمَ)؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبُ مَنْعِ اسْتِدَامَةِ نِكَاحِهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ مُبْهَمَةً قَبْلَ الِاخْتِيَارِ إذْ لَيْسَ إحْدَاهُنَّ أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنْ غَيْرِهَا. فَبِالِاخْتِيَارِ تَعَيَّنَتْ وَالْعِدَّةُ مِنْ حِينِ السَّبَبِ (فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ) مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ (أُجْبِرَ) عَلَى الِاخْتِيَارِ (بِحَبْسٍ ثُمَّ تَعْزِيرٍ) إنْ أَصَرَّ عَلَى الْحَبْسِ لِيَخْتَارَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ فَأُجْبِرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ إذَا امْتَنَعَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. (وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ نَفَقَتُهُنَّ) جَمِيعًا (إلَى أَنْ يَخْتَارَ) مِنْهُنَّ أَرْبَعًا لِوُجُوبِ نَفَقَةِ زَوْجَاتِهِ عَلَيْهِ وَقَبْلَ الِاخْتِيَارِ لَمْ تَتَعَيَّنْ زَوْجَاتُهُ مِنْ غَيْرِهِنَّ بِتَفْرِيطِهِ وَلَيْسَ إحْدَاهُنَّ أَوْلَى بِالنَّفَقَةِ مِنْ الْأُخْرَى (وَيَكْفِي فِي اخْتِيَارٍ) قَوْلُهُ: (أَمْسَكْتُ هَؤُلَاءِ وَتَرَكْت هَؤُلَاءِ لِفَسْخٍ) أَوْ اخْتَرْت هَذِهِ أَوْ اخْتَرْت هَذِهِ (لِإِمْسَاكٍ وَنَحْوِهِ) كَ أَبْقَيْتُ هَذِهِ وَبَاعَدْتُ هَذِهِ (وَيَحْصُلُ) اخْتِيَارٌ (بِوَطْءٍ أَوْ طَلَاقٍ)؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا فِي زَوْجَةٍ و(لَا) يَحْصُلُ اخْتِيَارٌ (بِظِهَارٍ أَوْ إيلَاءٍ)؛ لِأَنَّهُمَا كَمَا يَدُلَّانِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَنْكُوحَةِ يَدُلَّانِ عَلَى اخْتِيَارِ تَرْكِهَا فَيَتَعَارَضُ الِاخْتِيَارُ وَعَدَمُهُ فَلَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. (وَإِنْ وَطِئَ الْكُلَّ) قَبْلَ الِاخْتِيَارِ بِالْقَوْلِ (تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ) أَيْ الْأَرْبَعُ الْمَوْطُوآتِ مِنْهُنَّ أَوَّلًا لِلْإِمْسَاكِ وَمَا بَعْدَهُنَّ لِلتَّرْكِ (وَإِنْ طَلَّقَ الْكُلَّ ثَلَاثًا أَخْرَجَ) مِنْهُنَّ (أَرْبَعًا بِقُرْعَةٍ) فَكُنَّ الْمُخْتَارَاتِ فَيَقَعُ بِهِنَّ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ (وَلَهُ نِكَاحُ الْبَوَاقِي) بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُخْرَجَاتِ بِقُرْعَةٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ بِهِنَّ (وَالْمَهْرُ) وَاجِبٌ (لِمَنْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِالِاخْتِيَارِ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ كَالدَّيْنِ (وَإِلَّا) يَكُنْ دَخَلَ بِهَا (فَلَا) مَهْرَ لَهَا لِتَبَيُّنِ أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِإِسْلَامِهِمْ جَمِيعًا كَفَسْخِ النِّكَاحِ لِعَيْبِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ. فِي الْإِسْلَامِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ كَالْمَجُوسِيِّ يَتَزَوَّجُ أُخْتَهُ ثُمَّ يُسْلِمَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ. (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ بِشَرْطٍ) كَقَوْلِهِ مَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَقَدْ اخْتَرْتُهَا (وَلَا) يَصِحُّ (فَسْخُ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا) أَيْ حَالَةَ الْفَسْخِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ أَيْ الْفَسْخَ (إسْلَامُ أَرْبَعٍ سِوَاهَا وَلَيْسَ فِيهِنَّ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ بِالْفَسْخِ الطَّلَاقُ فَيَقَعُ؛ لِأَنَّهُ كِتَابَةٌ وَإِنْ اخْتَارَ إحْدَاهُنَّ قَبْلَ إسْلَامِهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ اخْتِيَارٍ وَإِنْ فَسَخَ نِكَاحَهَا لَمْ يَنْفَسِخْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ الِاخْتِيَارُ لَمْ يَجُزْ الْفَسْخُ. (وَإِنْ مَاتَ) مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ (قَبْلَ اخْتِيَارِ) أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ (فَعَلَى الْجَمِيعِ) مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ نِسَائِهِ (أَطْوَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ أَوْ ثَلَاثِ قُرُوءٍ) إنْ كُنَّ مِمَّنْ يَحِضْنَ لِتَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُخْتَارَةً أَوْ مُفَارَقَةً وَعِدَّةُ الْمُخْتَارِ لِلْوَفَاةِ أَرْبَعُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ وَعِدَّةُ الْمُفَارَقَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ فَوَجَبَ أَطْوَلُهُنَّ احْتِيَاطًا وَتَعْتَدُّ حَامِلٌ بِوَضْعِهِ وَصَغِيرَةٌ وَآيِسَةٌ لِوَفَاةٍ؛ لِأَنَّهَا أَطْوَلُ (وَيَرِثُ مِنْهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (أَرْبَعٌ) مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ وَأَسْلَمْنَ (بِقُرْعَةٍ) كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ نِسْوَةٍ نِكَاحُ بَعْضِهِنَّ فَاسِدٌ وَجَهِلَ. (وَإِنْ أَسْلَمَ) كَافِرٌ (وَتَحْتُهُ أُخْتَانِ) أَوْ امْرَأَةٌ وَعَمَّتُهَا وَنَحْوَهُ فَأَسْلَمَتَا مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ إنْ دَخَلَ بِهِمَا أَوْ لَمْ تُسْلِمَا وَهُمَا كِتَابِيَّتَانِ (اخْتَارَ مِنْهُمَا وَاحِدَةً) لِمَا رَوَى الضَّحَّاكُ بْنُ فَيْرُوزَ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ {أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي امْرَأَتَانِ أُخْتَانِ فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُطَلِّقَ إحْدَاهُمَا} رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَفِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ " اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْت " وَلِأَنَّ الْمُبْقَاةَ يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا فَجَازَ لَهُ اسْتِدَامَتُهُ كَغَيْرِهَا وَلِأَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ وَإِنَّمَا حَرُمَ الْجَمْعُ وَقَدْ أَزَالَهُ وَلَا مَهْرَ لِلْمُفَارَقَةِ مِنْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لِمَا تَقَدَّمَ فِيمَا زَادَ عَنْ أَرْبَعٍ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ ارْتَفَعَ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ ابْتِدَائِهِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. (وَإِنْ كَانَتَا) أَيْ مَنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ عَلَيْهِمَا (أُمًّا وَبِنْتًا) وَأَسْلَمَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا أَوْ كَانَتَا كِتَابِيَّتَيْنِ (فَسَدَ نِكَاحُهُمَا إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْأُمِّ) أَمَّا الْأُمُّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} وَهَذِهِ أُمُّ زَوْجَتِهِ فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ الْبِنْتَ وَحْدَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا إذَا أَسْلَمَ فَإِذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا وَتَمَسَّكَ بِنِكَاحِهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَأَمَّا الْبِنْتُ فَلِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ دَخَلَ بِأُمِّهَا، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا (وَإِلَّا) يَكُنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ (فَنِكَاحُهَا) أَيْ الْأُمِّ يَفْسُدُ (وَحْدَهَا) لِتَحْرِيمِهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى ابْنَتِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ فَلَمْ يُمْكِنْ اخْتِيَارُهَا وَالْبِنْتُ لَا تَحْرُمُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِأُمِّهَا فَتَعَيَّنَ النِّكَاحُ فِيهَا بِخِلَافِ الْأُخْتَيْنِ.
وَإِنْ أَسْلَمَ حُرٌّ وَتَحْتَهُ زَوْجَاتٌ إمَاءٌ أَرْبَعٌ مِنْ أَرْبَعٍ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ (قَبْلَ الدُّخُولِ بِهِنَّ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ) أَسْلَمْنَ (فِي الْعِدَّةِ) إنْ كَانَ دَخَلَ أَوْ خَلَا بِهِنَّ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ أَسْلَمْنَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ لَمْ تُشْتَرَطْ الْمَعِيَّة فِي الْإِسْلَامِ (اخْتَارَ) مِنْهُنَّ (إنْ جَازَ لَهُ نِكَاحُهُنَّ) أَيْ الْإِمَاءِ إنْ كَانَ عَادِمُ الطَّوْلِ خَائِفَ الْعَنَتِ (وَقْتَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ بِإِسْلَامِهِنَّ) تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَيَخْتَارُ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ فَإِنْ لَمْ تُعِفَّهُ اخْتَارَ مَنْ يُعِفُّهُ مِنْهُنَّ إلَى أَرْبَعٍ (وَإِلَّا يَجُزْ لَهُ نِكَاحُهُنَّ وَقْتَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ بِإِسْلَامِهِنَّ فَسَدَ نِكَاحُهُنَّ)؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا جَمِيعًا مُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ ابْتِدَاءُ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. فَكَذَا اسْتِدَامَتُهُ (فَإِنْ كَانَ) زَوْجُ الْإِمَاءِ (مُوسِرًا) قَبْلَ إسْلَامِهِنَّ (فَلَمْ يُسْلِمْنَ حَتَّى أَعْسَرَ) فَلَهُ الِاخْتِيَارُ حَيْثُ خَافَ الْعَنَتَ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِنَّ بِإِسْلَامِهِ. وَلَوْ أَسْلَمَ مُعْسِرًا فَلَمْ يُسْلِمْنَ حَتَّى أَيْسَرَ فَلَيْسَ لَهُ الِاخْتِيَارُ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ أَسْلَمَتْ إحْدَاهُنَّ بَعْدَهُ ثُمَّ عَتَقَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي فَلَهُ الِاخْتِيَارُ) مِنْهُنَّ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَهِيَ حَالَةُ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَقَدْ كَانَتْ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهَا بِإِسْلَامِهِ أَمَةٌ. (وَإِنْ عَتَقَتْ) إحْدَاهُنَّ (ثُمَّ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمْنَ) أَيْ الْبَوَاقِي تَعَيَّنَتْ الْأُولَى إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ؛ لِأَنَّ تَحْتَهُ حُرَّةً عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْإِسْلَامِ (أَوْ عَتَقَتْ) وَاحِدَةٌ مِنْ الْإِمَاءِ (ثُمَّ أَسْلَمْنَ) أَيْ الْبَوَاقِيَ (ثُمَّ أَسْلَمَتْ) الْعَتِيقَةُ تَعَيَّنَتْ إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ عَتَقَتْ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهَا) كَأَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ عَتَقَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ. الْبَوَاقِي (تَعَيَّنَتْ الْأُولَى إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ) وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْبَوَاقِي؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُنَّ إلَّا مَعَ الْحَاجَةِ. وَهِيَ عَدَمُ الطَّوْلِ وَخَوْفُ الْعَنَتِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا لِحُصُولِ الْعِفَّةِ بِالْحُرَّةِ، وَإِنْ عَتَقَتْ إحْدَاهُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ. كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ أَسْلَمَ) حُرٌّ (وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ فَأَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ فِي عِدَّتِهَا قَبْلَهُنَّ أَوْ بَعْدَهُنَّ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ وَتَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ) إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ لِفَقْدِ شَرْطِ نِكَاحِ الْإِمَاءِ إذَنْ (هَذَا إنْ لَمْ يَعْتِقْنَ ثُمَّ يُسْلِمْنَ فِي الْعِدَّةِ) إنْ كَانَ دَخَلَ بِهِنَّ (فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ فَ) هُنَّ (كَالْحَرَائِرِ) فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا. وَإِنْ أَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ فِي عِدَّتِهَا دُونَ الْإِمَاءِ ثَبَتَ نِكَاحُهَا وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ وَعِدَّتُهُنَّ مُنْذُ أَسْلَمَ الْأَوَّلُ فَإِنْ أَسْلَمَ الْإِمَاءُ دُونَ الْحُرَّةِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَانَتْ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْإِمَاءِ مَنْ يُعِفُّهُ بِشَرْطِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْإِمَاءِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُسْلِمُ فِي عِدَّتِهَا وَإِنْ طَلَّقَ الْحُرَّةَ ثَلَاثًا فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ لَمْ تُسْلِمْ فِيهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لِتَبَيُّنِ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي عِدَّتِهَا بَانَ أَنَّ نِكَاحَهَا كَانَ ثَابِتًا وَوَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ. (وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدٌ وَتَحْتَهُ إمَاءٌ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ) مُطْلَقًا (أَوْ) أَسْلَمْنَ (فِي الْعِدَّةِ) وَكَانَ دَخَلَ أَوْ خَلَا بِهِنَّ (ثُمَّ عَتَقَ أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَعْتِقْ (اخْتَارَ) مِنْهُنَّ (ثِنْتَيْنِ)؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِفَسْخِ نِكَاحِ الزَّائِدِ عَلَى الثِّنْتَيْنِ قَائِمٌ وَهُوَ كَوْنُهُمْ مُسْلِمِينَ فِي حَالِ رِقِّهِ وَهَذَا مَوْجُودٌ لَا يَزُولُ بِعِتْقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. (وَإِنْ أَسْلَمَ) عَبْدٌ (وَعَتَقَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ أَوْ أَسْلَمْنَ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ أَسْلَمَ اخْتَارَ) مِنْهُنَّ (أَرْبَعًا بِشَرْطِهِ) وَهُوَ عَدَمُ الطَّوْلِ وَخَوْفُ الْعَنَتِ وَقْتَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ بِإِسْلَامِهِنَّ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ إذْ ذَاكَ يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهِنَّ فَجَازَ لَهُ إبْقَاؤُهُ (وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ) أَيْ الْعَبْدِ (حَرَائِرُ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ خِيَارُ الْفَسْخِ) لِرِضَاهُنَّ بِهِ عَبْدًا كَافِرًا فَعَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْلَى (وَلَوْ أَسْلَمَتْ مَنْ تَزَوَّجَتْ بِاثْنَيْنِ فِي عَقْدٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ أَحَدَهُمَا وَلَوْ أَسْلَمُوا مَعًا)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ سَائِغًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لَهَا اخْتِيَارُ النِّكَاحِ وَفَسْخُهُ بِخِلَافِ الرَّجُلِ.
وَإِنْ ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ هُمَا أَيْ الزَّوْجَانِ (مَعًا قَبْلَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ) فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} وَقَوْلُهُ: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} وَلِأَنَّ الِارْتِدَادَ اخْتِلَافُ دِينٍ وَقَعَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَأَوْجَبَ فَسْخَ النِّكَاحِ كَإِسْلَامِهَا تَحْتَ كَافِرٍ (وَلَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ سَبَقَهَا) بِالرِّدَّةِ (أَوْ ارْتَدَّ) الزَّوْجُ (وَحْدَهُ) دُونَهَا لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهِ أَشْبَهَ الطَّلَاقَ فَإِنْ سَبَقَتْ هِيَ بِالرِّدَّةِ أَوْ ارْتَدَّتْ وَحْدَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا. (وَتَتَوَقَّفُ فُرْقَةٌ) بِرِدَّةٍ (بَعْدَ دُخُولٍ عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّةٍ)؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ اخْتِلَافُ دِينٍ بَعْدَ الْإِصَابَةِ فَلَا يُوجِبُ فَسْخَهُ فِي الْحَالِ كَإِسْلَامِ كَافِرَةٍ تَحْتَ كَافِرٍ (وَتَسْقُطُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ بِرِدَّتِهَا وَحْدَهَا)؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلزَّوْجِ إلَى تَلَافِي نِكَاحِهَا فَلَمْ تَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ كَمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ تَلَافِي نِكَاحِهَا بِعَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ وَكَذَا إنْ ارْتَدَّا مَعًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ لَمْ يَتَمَحَّضُ مِنْ جِهَتِهَا (وَإِنْ لَمْ يَعُدْ مَنْ ارْتَدَّ مِنْهُمَا فِي الْعِدَّةِ إلَى الْإِسْلَامِ فَوَطِئَهَا فِيهَا أَوْ طَلَّقَ وَجَبَ الْمَهْرُ) بِوَطْئِهَا فِي الْعِدَّةِ (وَلَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ) لِتَبَيُّنِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ اخْتِلَافِ الدِّينِ فَالْوَطْءُ وَالطَّلَاقُ فِي غَيْرِ زَوْجَةٍ وَلَا حَدَّ بِهَذَا الْوَطْءِ أَشْبَهَهُ النِّكَاحُ (وَإِنْ انْتَقَلَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (أَوْ) انْتَقَلَ (أَحَدُهُمَا إلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ) كَالْيَهُودِيِّ يَتَنَصَّرُ أَوْ عَكْسِهِ فَرِدَّةٌ (أَوْ تَمَجَّسَ كِتَابِيٌّ تَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ) فَكَرِدَّةٍ فَإِنْ كَانَ. تَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ فَعَلَى نِكَاحِهِمَا (أَوْ تَمَجَّسَتْ) الْكِتَابِيَّةُ (دُونَهُ) أَيْ دُونَ زَوْجِهَا الْكِتَابِيِّ أَوْ تَمَجَّسَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ (فَكَرِدَّةٍ) إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَقَفَ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ أَشْبَهَ الرِّدَّةَ.
|